هل أنتم مسلمون؟

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 4959
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

هل أنتم مسلمون؟

قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14].

{أم يقولون افتراه} أي: افترى محمد هذا القرآن؟

فأجابهم بقوله:

{قل} لهم.

{فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} أنه قد افتراه ، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته، فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.

{ فإن لم يستجيبوا لكم} على شيء من ذلكم.

{فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} من عند الله لقيام الدليل والمقتضى، وانتفاء المعارض.

{وأن لا إله إلا هو} أي: واعلموا أنه لا إله إلا هو أي: هو وحده المستحق للألوهية والعبادة.

 {فهل أنتم مسلمون} أي: منقادون لألوهيته، مستسلمون لعبوديته.

وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين.

خصوصا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيا على أمره، مقبلا على شأنه، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها. بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن هذا القرآن، معجز بنفسه، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور من مثله، بل ولا بسورة من مثله، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك، فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك.

وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى: {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو}.

تيسير الكريم الرحمن للشيخ ابن سعدي رحمه الله.

وقال الطبري: {فهل أنتم مسلمون} : فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة، بعد ثبوت الحجة عليكم؟

البغوي: {فهل أنتم مسلمون} لفظه استفهام ومعناه أمر، أي: أسلموا.

وقال القاسمي : {فهل أنتم مسلمون} أي مبايعون بالإسلام، منقادون لتوحيد الله، وتصديق رسوله، بعد هذه الحجة القاطعة؟

وقال محمد رشيد رضا : (فهل أنتم مسلمون) أي فهل أنتم بعد قيام هذه الحجة عليكم داخلون في الإسلام الذي أدعوكم إليه بهذا القرآن، مؤمنون بعقائده وحقية أخباره ووعده ووعيده، مذعنون لأحكامه؟

أي لم يبق لكم محيص من الإسلام والانقياد، وقد دحضت شبهتكم. وانقطعت معاذيركم، إلا جحود العناد وإعراض الاستكبار، فهذا الاستفهام يتضمن طلب الإسلام والإذعان بأبلغ عبارة، فهو كقوله بعد وصف الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنها رجس من عمل الشيطان، لا يريد إلا إيقاع الشقاق والبغضاء بين الناس في الخمر والميسر وصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وبعد هذا كله قال: (فهل أنتم منتهون)؟

أي عنهما بعد علمكم بهذا الرجس والمخازي التي فيها أم لا؟ وأي إنسان يملك مسكة من عقل وشرف لا يقول عند نزول هذه الآية في سورة هود: أسلمنا أسلمنا، كما قال أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله عنهم عند نزول تلك الآية: انتهينا انتهينا؟

       الوجه الثاني في الآية أن الخطاب فيها للنبي – صلى الله عليه وسلم – وجمع الضمير في لكم للتعظيم، بناء على أنه غير خاص بضمير المتكلم، أو له ولمن معه من المؤمنين، إذ كانوا كلهم دعاة إلى الإسلام معه – صلى الله عليه وسلم – وقيل: إنه لهم وحدهم، وهذا مروي عن مجاهد. والمعنى: فإن لم يجبكم هؤلاء المشركون إلى ما تحديتموهم به من الإتيان بعشر سور مثله ولو مفتريات لا يتقيدون بكون أخبارها حقا كأخبار القرآن – وما هم بمستجيبين لكم لعجزهم وعجز من عسى أن يدعوهم لمظاهرتهم عليه – فاثبتوا على علمكم أنه إنما أنزل بعلم الله، وازدادوا به إيمانا ويقينا بهذه الحجة، وأنه لا إله إلا هو، ولا يستحق العبادة سواه، فهل أنتم ثابتون على إسلامكم والإخلاص فيه؟ أي اثبتوا عليه، والوجه الأول أظهر وأقوى، وعليه الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري، وأشار إلى ضعف الثاني، ولكن رجحه كثيرون، والحق أنه صحيح ولكنه خلاف الظاهر المتبادر.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق