وقفات مع الدعوى البائسة المزعومة “مليونية نزع الحجاب”

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 3615
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

وقفات مع الدعوى البائسة المزعومة “مليونية نزع الحجاب”

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

        فمن أعاجيب ما يمرّ بنا هذا الزمان دعواتٌ باطلةٌ مسمومةٌ، تصدر من بعض ديار الإسلام مع الأسف الشديد، يدعوا إليها أناسٌ لم يتسمو ببطرس ولا حنا، ولكن بأسماء إسلامية، أو توحي بذلك، ومن هذه الدعوات البائسة الدعوى إلى ما يُسمّى بمليونية نزع الحجاب.

        ولي – وهذا حال كلِّ مسلمٍ يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا- في هذه الدعوى وقفات علّها توقظ غافلا، وتنبّه تائها، وتعيد ضالا إلى رشده، أوجزها بتوفيق الله فيما يلي:

الوقفة الأولى:

        إن حجاب المرأة المسلمة من دين الله عز وجلّ الذي أوجبه الله عليها، وليس شعارا لحزب ولا جماعة في عصر ما، ولا في مصر دون غيره، بل هو حجابها الواجبُ عليها في كل مصر وزمان، وهو فخرٌ وعزٌ ورفعةٌ وتاجٌ لها في الدارين.

        وكفى بالمرأة المسلمة فخرًا بأن الله خاطبها في القرآن الكريم وأمرها بالحجاب، حيث يقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

         وكفى بها فخرًا بأنها تُحاكي أمهاتِ المؤمنين وصحابيات – شرفن بلقاء المصطفى صلى الله عليه وسلم – وكلَّ عفيفةٍ درّةٍ مصونةٍ.

        وإن تقصير المسلمة بالحجاب وتساهلها به مع إيمانها بوجوبه عليها، وأنها مقصرةٌ فيه عظيمٌ، وأسأل الله أن يغفر لأخواتنا ممن كان هذا شأنها، وأن يصلح حالهن ويَعُدنَ إلى ما أوجب الله سبحانه وتعالى.

        ولكننا نتحدث عن الشر المستطير والخطر الأعظم ألا وهو الاعتراض على الحجاب الشرعي، والدعوة والمناداة والتظاهر لخلعه فهذه ردةٌ -والعياذ بالله- طالما علم أنها من  شرع الله عز وجل وأمره.

الوقفة الثانية:

دعوى نزع الحجاب تتنافى مع تعظيم شعائر الله الذي هو من سِمات المتقين.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ.ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }.

        وشعائر الله هي أعلام الدين الظاهرة، من مناسك الحج وغيرها، فتعظيم شعائر الله كلها صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله.

الوقفة الثالثة:

        الدعوى لنزع الحجاب داخلة ضمن الاعتراض على الشرع الحنيف وما جاءت به الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-، وهي من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ يقول الله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نبيٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.

وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}.

وقال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.

ومناسبة ذلك ما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونزل القرآن قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} رواه الطبري وابن أبي حاتم.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي رَحِمه الله: ” لايخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداَ أو هزلاَ, و هو كيفما كفر , لإن الهزل في الكفر كفر لا خلاف فيه و بين الأمة , فإن التحقيق أخو العلم و الهزل أخو الباطل والجهل ). الجامع لأحكام القرآن ( 8/197).

وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: “من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاَ أو جاداَ و كذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه ) .المغني (12/298).

وقال النووي رحمه الله: ” الأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد و استهزاء بالدين صريح ) .روضة الطالبين (10/64).

وقال الإمام سليمانُ بنُ عبد اللهِ بنِ محمدٍ رحمه الله: ( أجمع العلماءُ على كفرِ من شيئاً من ذلك ، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو كان هازلاً لم يقصد الاستهزاءَ إجماعاً ) .

الوقفة الرابعة:

الدعوة لنزع الحجاب دعوى متضمنةٌ نشر الفحش لأنه من أسبابه.

قال الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

أي الذين يحبون أن تشتهر الفاحشة وهي الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة، وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.كما ذكر الشيخ السعدي رحمه الله.

الوقفة الخامسة:

 توعُّدُّ الله سبحانه كلَّ مستهزىء بدين الإسلام ونبيه وتعاليمه.

قال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:

“وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة”.

وقال سبحانه: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.

 وروى مسلم في صحيحه : “أن رجلاَ أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال لا أستطيع , ما منعه إلا الكبر. قال : فما رفعها إلى فيه “.

لذا الواجب على المسلم أن يجتنب مجالس الخائضين في السخرية والاستهزاء بشعائر الدين، كما أرشد إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

الوقفة السادسة:

على كل مسلم ومسلمة أن يقف عند شرع الله وحدوده وشعائره ويعظمها، ويحذر من كل معارضة لشرع الله عز وجل أو لأي شعيرة منه، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

وعلى من تطاول من الكتُّاب وأجهزة الإعلام المتعددة ووسائل التواصل المتنوعة وجوب الكفّ عن كلّ إساءة للدين أو أي سخرية به، وعلى الحكومات ردع وتأديب وزجر كل ساخر ومستهزىء بدين الإسلام وشعائره، وبمعاقبته بما يستحق شرعا.

ختاما: أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرد كيد الكائدين لدينه في نحورهم، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، وأن يهدي ضالنا، ويرده إلى دينه ردا جميلا، وأن يصلحنا جميعا، ويلهمنا الرشد والصواب في القول والعمل، إنه سميع مجيب.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق