تحذير وبيان من خطر كذبة إبريل ( نيسان )

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 3309
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

بسم الله الرحمن الرحيم

تحذير وبيان من خطر كذبة إبريل ( نيسان )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين  إمام المتقين وبعد:

فإن الكذب داء عظيم إذ يعد من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وقد جُعل  من آيات النفاق وعلاماته، ويُعد صاحبه مجانبًا للإيمان، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أبغض الخلق إليه الكذب، فالكذب والإيمان لا يتفقان إلا وأحدهما  بحساب الآخر والكذب ريبة ومفسدة على صاحبه.

روى الإمامان البخاري و مسلم  في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – أنه قَالَ :

“عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ, فَإِنَّ اَلصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى اَلْبِرِّ, وَإِنَّ اَلْبِرَّ يَهْدِي إِلَى اَلْجَنَّةِ, وَمَا يَزَالُ اَلرَّجُلُ يَصْدُقُ, وَيَتَحَرَّى اَلصِّدْقَ, حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اَللَّهِ صِدِّيقًا, وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ, فَإِنَّ اَلْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى اَلْفُجُورِ, وَإِنَّ اَلْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى اَلنَّارِ, وَمَا يَزَالُ اَلرَّجُلُ يَكْذِبُ, وَيَتَحَرَّى اَلْكَذِبَ, حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اَللَّهِ كَذَّابًا” .

ولقد أثنى الله سبحانه على الصادقين في محكم التنزيل ، ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دالة على ذلك ، قال الله سبحانه:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة/119]

وقال تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}  [النساء/135].

وقال نعالى:

{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}  [المائدة/119]

والصدق والإخلاص أساس الطريق إلى الله ، كما جمع الله بينهما في قوله :

{ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)  حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} [سورة الحج]

    والصدق – كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى – (ج 20 / ص 74) – أساس الحسنات وجماعها ، والكذب أساس السيئات ونظامها من وجوه عدة ، أجملها فيما يلي:

إن الصفة المميزة بين النبي والمتنبيء هو الصدق والكذب ، وأن محمدا رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة مدعي النبوة هو الكذاب.

وأن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هي الصدق ،وأن الصدق هو أصل البر ، والكذب أصل الفجور.

وأن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين كما قال تعالى :

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ }[الشعراء].

وأن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والملبسين هو الصدق والكذب.

وأنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب وكلام العلماء والمشايخ.

وأنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التى هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة فى جميع الأمور والشهادة خاصية أمة الإسلام التى ميزت بها في قوله تعالى:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة/143]

والصدق ركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه في الجنايات.

وركن الأحاديث والأخبار والروايات التي بها يقوم الإسلام ، بل هو ركن النبوة والرسالة التى هي واسطة بين الله وبين خلقه .

وركن الفتيا التي هي إخبار المفتي بحكم الله ، وركن المعاملات التي تتضمن إخبار كل واحد من المتعاملين للآخر بما في سلعته.

 وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاماَ ، والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى.

 والصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق ، ففي الصحيحين عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم :”آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان

وقال تعالى لما بين الفرق بين النبى والكاهن والساحر :

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} [الشعراء].

إلى قوله :

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } [الشعراء/221-223].

وقال تعالى:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [الأنعام/21].

وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ }[النساء135، 136].

والكذب داء عظيم خطير وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، وقد جُعل من آيات النفاق وعلاماته، ويُعدُّ وجوده قادحاً كبيراً في إيمان المرء وهو خُلُقٌ ذميم مستقبح و «مجانب للإيمان» كما رواه البيهقي عن أبي بكر الصديق موقوفاً بسند صحيح كما في «فتح الباري» (10/508)، وكما أخرجه البيهقي مرفوعاً ولكنه قال: الصحيح أنه موقوف.

«وكان أبغض الخُلُق إليه صلى الله عليه وسلم»

رواه أحمد (6/152) في مسنده وغيره عن عائشة وانظر «صحيح الجامع الصغير» (4494).

   وقد روى مالك (2/990) كتاب الكلام، باب ما جاء في إضاعة المال وذوي الوجهين عن صفوان بن سليم قال: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: «نعم». قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: «نعم». قيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: «لا».لكن إسناده مرسل فهو ضعيف.

وقد ذكر أهل العلم أن الإيمان والكذب لا يتفقان لأن الإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فيستحيل اجتماعهما.

ووصف الله المنافقين فى القرآن بالكذب فى مواضع متعددة ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة وان المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .

ومع هذا الخطر للكذب وصل الحال ببعض المسلمين إلى التشبه بالكفرة وتقليدهم في كثير من الأمور وهذا منهي عنه في ديننا بل أُمرنا بمخالفتهم، ولأنّ المشابهة  ولو ظاهرًا لها علاقة  بالباطن كما ترشد إلى ذلك الأدلة القرآنية والنبوية وحسبنا قوله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” .

ومن أعظم الخطر في المشابهة مع الكافرين أن يكون الأمر عندهم متعلقًا بأمر اعتقادي.

ومن صور التقليد الأعمى ما يعرف بكذبة ( ابريل )  نيسان ، وكم رأينا وسمعنا لهذه الكذبة من عواقب سيئة وحقد وضغائن وتقاطع وتدابر بين الناس ،وكم جرت هذه الكذبة على الناس من ويلات بين الأخوة وبين أهل البيت ،وكم عطلت على الناس من مصالح نتيجة ذلك، وكم أوقعتهم في خسائر مادية ومعنوية وغير ذلك، بسبب هذا التقليد المتبع من عهد قديم في معظم الدول الأوروبية.

وأما شهر إبريل نيسان فهو الشهر الرابع من السنة الإفرنجية ،وإبريل اسم مشتق من الأصل اللاتيني “ابريليس”  Aprilis في التقويم الروماني القديم ، وقد يكون مشتقًا من الفعل اللاتيني “فتح” Arerire دلالة على ابتداء موسم الربيع، وظهور البراعم وتفتح الأزهار.

 وكان شهر ابريل هو مبدأ السنة بدل شهر يُناير (كانون الثاني) في فرنسا.

 وفي عام  1654م أمر شارل التاسع ملك فرنسا بجعل أول السنة  يناير بدل ابريل.

وهناك تعليلات أخرى يعود بعضها إلى الإغريق ،لأن شهر إبريل يمثل مطلع الربيع، فكان الرومان قد خصصوا  اليوم الأول  من شهر ابريل لاحتفالات “فينوس” وهي رمز الحب والجمال والمرح والضحك والسعادة عندهم.

 وقد كانت الأرامل والعذارى يجتمعن في روما وفي معبد فينوس، ويكشفن لها عن عاهاتهن الجسمية والنفسية، ويبتهلن إليها لتخفيها عن أنظار أزواجهن.

 وأما الأقوام الساكسونية فكانت تحتفل في هذا الشهر بعيد آلهتهم “ايستر” وهي إحدى آلهتهم القديمة وهو الاسم الذي يطلق عليه الآن عيد الفصح عند النصارى في اللغة الإنجليزية.

وبعد ما تقدم يظهر لنا ما لشهر ابريل من أهمية خاصة عند الأقوام الأوروبية في العصور القديمة.

ولم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك أراء بذلك ،  فذكر بعضهم أنها نشأت مع احتفالات الربيع, عند تعادل الليل والنهار في 21 آذار (مارس).

 ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام 1564م بعد فرض التقويم الجديد كما سبق، إذ كان الشخص الذي يرفض بهذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر ابريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة، ويسخرون منه فيصبح محل سخرية للآخرين.

ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية، لارتباطه بتاريخ معين في بداية فصل الربيع، إذ هي بقايا طقوس وثنية.

ويقال أن الصيد  في بعض البلاد يكون قليلاً في أول أيام الصيد في الغالب،  فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر ابريل.

يطلق الإنجليز على اليوم الأول من شهر ابريل اسم “يوم جميع المغفلين والحمقى ”  All Fools Day  لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه.

وأول كذبة ابريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ  “مجلة دريك” DRAKES NEWSLETTERS ففي اليوم  الثاني من ابريل عام 1698م  ذكرت هذه المجلة أن عددًا من الناس استلموا دعوة لمشاهدة عملية غسل الأسود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر ابريل.

ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول ابريل أن جريدة “ايفننج ستار”  الإنجليزية أعلنت في 31 مارس ( آذار) سنة 1846م أن غدًا -أول ابريل- سيقام  معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدينة اسلنجتون من البلاد الإنجليزية فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادًا عظيمًا، وظلوا ينتظرون، فلما أعياهم الانتظار  سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا  شيئا فعلموا أنهم أنما جاؤوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!!!

وإن تعجب فعجب ما يزعمه بعض الناس في هذه الكذبة عندما يحبكونها، حيث يقولون هذه “كذبة ابريل” ،وكأنهم يستحلون هذا الكذب والعياذ بالله من ذلك،  ونحن  نعلم أن الكذب لا يجوز ولو على سبيل المداعبة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :  “ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له“.

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يمزح  ولكنه لا يقول في مزاحه إلا حقًا وهذا المزاح الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تطييب لنفس الصحابة، وتوثيق للمحبة، وزيادة في الألفة، وتجديد للنشاط والمثابرة، ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :  “والذي نفسي بيده لو تداومون على ما تكونون عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن  يا حنظلة ساعة وساعة” ، ثلاث مرات.

ويجدر الإشارة إلى أن كثرة المزاح مخلة بالمروءة والوقار كما أن التنزه عنه بالمرة وتركه مخل بالسنة والسيرة النبوية، وخير الأمور أوسطها ومن مفاسد كثرته أنه يشتغل عن ذكر الله، ويؤدي إلى قسوة القلب، ويؤدي إلى الحقد وسقوط المهابة، ويورث كثرة الضحك المؤدي إلى قسوة القلب، وبالجملة فالمزاح  ينبغي أن لا يتخذ حرفة ودندنًا.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق