الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه كلمات وتوجيهات مستفادة من إجابات ضمن لقاء الباب المفتوح لفضيلة الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله حول أسباب الفتور في الطاعات وعلاجها وقد آلفت بينها سائلا الله أن يرحم الشيخ وأن ينفع بها إنه سميع مجيب.
أسباب الفتور في الطاعات وعلاجه
بعد شهر رمضان وبعد أن أدى المسلمون ما أدوا فيه من عبادة الله قد يلحق بعض الناس الفتور عن الأعمال الصالحة؛ لأن الشيطان يتربص بعباد الله الدوائر ويقعد لهم بكل صراط، وقد أقسم أن يأتي بني آدم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وقال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16].
ولكن العاقل إذا تبصر واعتبر علم أنه لا انقطاع للعمل الصالح إلا بالموت، لقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) فلا ينقطع العمل إلا بالموت، ولهذا ينبغي لنا أن نغتنم فرص العمر ما دام الله تعالى قد أعطانا صحة وفراغاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) .
والإنسان لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة، حتى الصحابة رضي الله عنهم قالوا:”يا رسول الله! إننا عندك نتعظ ونؤمن، وإذا ذهبنا إلى أهلنا -النساء والأولاد- نسينا” فقال: “ساعة وساعة“.
وأسباب الفتور في طلب العلم أو غيره من فعل الطاعات كثيرة منها:
أولاً: ضعف الهمة والعزيمة, وإلا فالإنسان ينبغي كلما ازداد في طلب العلم أن يزداد نشاطاً لأنه يجد زيادة في معلوماته, فيفرح كما يفرح التاجر إذا ربح في سلعة فتجده ينشط, فإذا ربح في نوع من السلع ربحاً كثيراً تجده يحرص على أن يحصل على كمية كبيرة من هذا النوع, كذلك طالب العلم ما دام جاداً في طلبه الصادق فإنه كلما اكتسب مسألة ازداد رغبة في العلم, أما الإنسان الذي لا يطلب العلم إلا ليقضي وقته فقط فهذا يلحقه الفتور والكسل.
ثانياً: أن الشيطان ييئس طالب العلم, يقول: المدى بعيد, ولا يمكن أن تدرك ما أدرك العلماء، فيكسل ويدع الطلب, وهذا خطأ.
ذكر أحد المؤرخين عن أحد أئمة النحو وأظنه الكسائي أنه همّ بطلب العلم، وهو معروف أنه إمام في النحو, ولكنه صعب عليه -وأظن أن النحو صعب على كثير منكم- فهمّ أن يدعه, فرأى نملة تحمل طعماً معها تريد أن تصعد جداراً, فكلما صعدت سقطت, كلما صعدت سقطت, إلى عشر مرات أو أكثر! وفي النهاية وبعد التعب والإعياء صعدت, فقال: هذه النملة تكابد وتكدح كل هذه المرات حتى أدركت إذاً لأفعلن, فجدّ في الطلب حتى أدرك الإمامة فيه.
ثالثاً: مصاحبة الأشقياء, فإن الصحبة لها تأثير على الإنسان, ولهذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبة الأخيار, وأخبر أن الجليس الصالح مثله كحامل المسك؛ إما أن يهدي لك منه, وإما أن يبيع، وإما أن تجد منه رائحة طيبة, وأن الجليس السيئ كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد رائحة كريهة, وهذه مسألة لها تأثير عظيم, حتى أنها تؤثر على الإنسان لا في ترك طلب العلم فقط بل حتى في العبادة, فإن بعض الملتزمين يسلط الله عليه رجلاً سيئاً فيصحبه ثم يهوي به في النار والعياذ بالله.
رابعاً: التلهي عنه بالمغريات, وإضاعة الوقت, مرة يخرج يتمشى, وبعض الناس يكون مفتوناً بمشاهدة ألعاب الكرة وما أشبه ذلك.
خامساً: أن الإنسان لا يشعر نفسه بأنه حال طلبه للعلم كالمجاهد في سبيل الله بل أبلغ, أي: أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله, لا شك في هذا؛ لأن طالب العلم يحفظ الشريعة ويعلمها الناس, والمجاهد غاية ما فيه أنه يصد واحداً من الكفار عن التأثير في الدين الإسلامي, لكن هذا ينفع الأمة كلها, صحيح أننا قد نقول لهذا الشخص: الجهاد أفضل لك لأنه أجدر به, ونقول للآخر: طلب العلم أفضل لك, لكن قصدي أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وقعد طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] أي: القاعدون: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] .
ولكي يحافظ الإنسان على صلاح القلب- وإذا صلح القلب صلح الجسد كله- عليه:
1- يدع الخوض فيما لا يعنيه
2- يدع النزاع الذي لا فائدة منه
3- يدع التحزب الذي فرَّق الأمة ويقبل على الله عز وجل
ولهذا ترى العامي خيراً في عقيدته وإخلاصه من كثير من طلاب العلم، الذين ليس لهم هم إلا:
1- الأخذ والرد
2- والقيل والقال
3- وماذا تقول يا فلان؟
4- وماذا تقول في الكتاب الفلاني؟
5- وفيما كتبه فلان ؟
هذا هو الذي يضيع العبد ويسلب قلبه عن الله عز وجل، ولا يجعل له هماً إلا القيل والقال .
فنصيحتي لكل إنسان: أن يكون مقبلاً على الله عز وجل، وأن يدع الناس وخلافاتهم، هذا أحسن شيء.
وهناك أسباب تجعل الشاب نشيطاً:
السبب الأول: أن يقصد وجه الله والدار الآخرة، فإنه كلما رأى الفتور على نفسه جدد العزيمة حتى يستمر على نشاطه.
السبب الثاني: أن يحرص على مصاحبة الإخوان الذين ينشطونه على طاعة الله؛ فإن الجليس الصالح كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) .
السبب الثالث: ألا يكون عند الالتزام مندفعاً أكثر مما ينبغي؛ لأنه إذا اندفع أكثر مما ينبغي وحمل نفسه ما لا يجب تعب ومل، ولكن إذا التزم بانتظام ومشى على ما تقتضيه الشريعة، فإن الغالب أنه لا يمل مع فعل بقية الأسباب.
السبب الرابع: ألا يتضجر تضجراً يصده عن طاعة الله مما يشاهده في مجتمعه، فإن الله عز وجل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} [الكهف:6] أي: مهلك نفسك على آثارهم، وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] ، فالإنسان إذا أصلح نفسه فيما بينه وبين ربه فلا يهلكَنَّ بفعل غيره؛ يدعو إلى الله، ويسأل الله لهم الهداية، ويعلم أنه ما من حسابهم عليه شيء ومن حسابه عليهم من شيء.
السبب الخامس: سؤال الله الثبات؛ فيسأل الله دائماً أن يثبته وأن يعينه.
فعليك أيها الطالب أن تكون ذا همة عالية, وأن تترقب المستقبل, وأنك بإخلاصك النية لله قد تكون إماماً في الإسلام.