الأضحية وأحكامها

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 3853
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

فلقد شرع الله سبحانه الأضحية فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.

وقال عكرمة وعطاء وقتادة: “فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك”.

وقال سبحانه وتعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37). [الحج : 36 ، 37].

والأضحية ثابتة قولاً وفعلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما  روى البخاري(5554) ومسلم (4478)عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده.

وقد روى الترمذي (827) وغيره عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ ؟قَالَ:” الْعَجُّ وَالثَّجُّ”.

و(الْعَجُّ) بِتَشْدِيدِ الجيم رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ.

و(الثَّجُّ) َسَيَلَانُ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَقِيلَ دِمَاءُ الْأَضَاحِيِّ.

وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا “..

وأما حديث ” الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم ، قالوا : فما لنا فيها ؟ قال : بكل شعرة حسنة ، قالوا : فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة”  فضعيف جدا .

ما يجتنبه المضحي:

روى مسلم (1977) عن أم سلمة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ” إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره “.

وجعل بعض العلماء قوله: “أراد أن يضحي” دليلا على أن الَأضحية سنة لا واجبة، بينما ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها لحديث أبي هريرة السابق والله أعلم.

مم تكون الأضحية؟

يجب أن تكون الأضحية من الأنعام وهي: الإبل عراباً كانت أو بخاتيّ، والبقرة الأهليّة ومنها الجواميس، والغنم ضأناً كانت أو معزاً، ويجزئ من كلّ ذلك الذّكور والإناث. ولم تنقل التّضحية بغير الأنعام عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

شروط الأضحية:

لابد أن يراعى في الأضحية أمران: السن والسلامة من العيوب.

فأما سنها فينبغي بأن تكون ثنيّةً أو فوق الثّنيّة من الإبل والبقر والمعز، وجذعةً أو فوق الجذعة من الضّأن، فلا تجزئ التّضحية بما دون الثّنيّة من غير الضّأن، ولا بما دون الجذعة من الضّأن، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: « لا تذبحوا إلاّ مسنّةً، إلاّ أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعةً من الضّأن ».

والمسنّة من كلّ الأنعام هي الثّنيّة فما فوقها. حكاه النّوويّ عن أهل اللّغة. ولقوله صلى الله عليه وسلم: « نعمت الأضحيّة الجذع من الضّأن ».

والجذع من الضّأن ما أتمّ ستّة أشهرٍ، والثني من الضّأن والمعز ابن سنةٍ، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن خمس سنين.

وأما السلامة من العيوب، فلا تجوز الأضحية بالمعيبة مثل: المريضة البين مرضها، والعوراء البين عورها،والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، والعضباء التي ذهب أكثر أذنها لحديث البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ:

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ: “أَرْبَعٌ لَا يَجُزْنَ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي”رواه الترمذي 4369.

والمراد بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا أَيْ عَرَجُهَا، وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمَشْيُ

ومن ( البَيِّنٌ عَوَرُهَا ) أَيْ عَمَاهَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَبِالْأَوْلَى فِي الْعَيْنَيْنِ

ومن ( الْمَرِيضَةِ البَيِّنٌ مَرَضُهَا ) وَهِيَ الَّتِي لَا تُعْتَلَفُ قَالَهُ الْقَارِي

(وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) أَيْ الْمَهْزُولَةِ

(الَّتِي لَا تُنَقَّى) مِنْ الْإِنْقَاءِ أَيْ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ. قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ هِيَ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا نِقْيَ لِعِظَامِهَا، يَعْنِي لَا مُخَّ لَهَا مِنْ الْعَجَفِ.

وقال الإمام الترمذي:”( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ) .

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحُ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ . اِنْتَهَى مستفاداً من تحفة الأحوذي للمباركفوري.

وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن العيوب التي دون هذه لا تمنع من الإجزاء، فتجزئ الأضحية بمقطوعة الأذن وبمشقوقة الأذن مع الكراهة.

وفي حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: “أَمَرَنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نستشرف العين والأذن” رواه أبو داود 2804 وغيره.

وأما رواية “ألا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء” وحديث عُتبة بن عبد السلمي «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن المستأصلة» وهي التي ذهب القَرْن من أصله فضعيفة.

ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة العيد لما رواه البخاري برقم 951 عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا

ومن ذبح قبل الصلاة فهي لحم ولم تجزأه وعليه الإعادة لما رواه البخاري برقم 954 عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ “.

وأما وقت انتهائها فهو غروب يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

ويكفي أضحية واحدة عن البيت الواحد فإذا ضحى الإنسان بشاة من الضأن أو المعز أجزأت عنه وعن أهل بيته.

ويجوز المشاركة في الاضحية إذا كانت من الابل أو البقر، وتجزئ البقرة أو الجمل عن سبعة أشخاص إذا كانوا قاصدين الأضحية، فعن جابر قال: ” نحرنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة “. رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

توزيع لحم الأضحية:

يسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الاقارب ويتصدق منها على الفقراء لقوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36].

ولقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َ:”من ضحى منكم , فلا يصبحن بعد ثالثة, وفي بيته منه شيء , فلما كان العام المقبل ، قالوا : يا رسول الله , نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال :”كلوا , وأطعموا , وادخروا , فإن ذلك العام كان بالناس جهد , فأردت أن تعينوا فيها”.رواه البخاري (5569) ومسلم (1971).

واختلفوا في معنى القانع والمعتر:

فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة: “القانع”: الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل، و “المعتر”: الذي يسأل.

وروى العوفي عن ابن عباس: “القانع” الذي لا يعترض ولا يسأل، و “المعتر” الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل، فعلى هذين التأويلين يكون “القانع”: من القناعة، يقال: قنع قناعة إذا رضي بما قسم له.

وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي: “القانع”: الذي يسأل، “والمعتر”: الذي يتعرض ولا يسأل، فيكون “القانع” من قنع يقنع قنوعا إذا سأل.

وقال ابن زيد: “القانع”: المسكين، “والمعتر”: الذي ليس بمسكين، ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم.

وقال الحافظ ابن حجر تمسك به (أي بالحديث في قوله:”كلوا”)من قال بوجوب الأكل من الأضحية، ولا حجة فيه لأنه أمرٌ بعد حظرٍ فيكون للإباحة”.

وأما تقسيمها أثلاثا فقد جاء في حديث عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً في الأضحية قال: “ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث”.

وقال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن، وقال شيخنا الألباني لم أقف على سنده.

وقد قال بعض العلماء: الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث، وهو قول ابن عمر وابن مسعود، ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة كما في منار السبيل شرح الدليل(1 /189).

كما أنه لا يجوز بيعها ولا بيع جلدها، ولا يعطى الجزار من لحمها شيئا كأجر.

ويسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان – ويسمي نفسه – فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذبح كبشا وقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي. رواه أبو داود والترمذي.

والحمد لله رب العالمين.

كتبه أ.د. عاصم بن عبدالله القريوتي

[email protected]

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق