الفِراسة أو التَّوسُّم
مَدَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْفِرَاسَةَ وَأَهْلَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]
وَهُمْ الْمُتَفَرِّسُونَ الْآخِذُونَ بِالسِّيمَا، وَهِيَ الْعَلَامَةُ، يُقَالُ: تَفَرَّسْت فِيك كَيْتَ وَكَيْتَ وَتَوَسَّمْته. كذا في الطرق الحكمية.
وفي تفسير السعدي رحمه الله: أي المتأملين المتفكرين، الذين لهم فكر وروية وفراسة، يفهمون بها ما أريد بذلك.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30].
وَقَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273].
وروى أبو الشيخ في ” عواليه ” والطبراني في ” الأوسط ” والقضاعي والواحدي في ” التفسير ” عن أنس بن مالك مرفوعا:
” إن لله عبادا يعرفون الناس بالتّوسُّم “.
وسنده حسن كما في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” ح 1693 وهو يغني عن الحديث المشهور:
” اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ” فهو ضعيف الإسناد من جميع طرقه كما في “السلسلة الضعيفة” ح1821.
وتطلق الفراسة على معنيين كما في “النهاية في غريب الأثر” لابن الإثير رحمه الله:
أحدهما: ما يُوقِعُهُ الله تعالى في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوال بعض النَّاس بنوع من الكرامات وإصابة الظَّن والحدْس.
والثاني: نوع يُتَعلَّم بالدلائل والتجارب والخَلق والأخلاق، فيُعْرَفُ به أحوال النَّاس، وللنَّاس فيه تصانيف قديمة وحديثة.
والفراسة الإيمانية كما يقول ابن القيم رحمه الله في “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين” (2/ 453):
سببها نور يقذفه الله في قلب عبده. يفرق به بين الحق والباطل، والحالي والعاطل، والصادق والكاذب.
وحقيقتها: أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده. يثب على القلب كوثوب الأسد على الفريسة. لكن الفريسة فعيلة بمعنى مفعولة. وبناء الفراسة كبناء الولاية والإمارة والسياسة.
وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان. فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة.
وقال أيضا: “أهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الإخبار وشجاعته ومهابته، ويعرفون كذب الكاذب بضد ذلك؛ ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة”.
اللهم زدنا هدى وبصيرة ونورا، والحمد لله رب العالمين.