برآءة أهل الإسلام من الغلو في التكفير
الْحَمد لله الذي لا مُعَقْبَ لِـحُـكْمه سبحانه وتعالى ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، خاتَم الأنبياء والْمُرسلين ، لا نبي بعده ..
أما بعد :
فإنَّ الأمة الإسلامية تمر في هذه الأزمنة بأحلك الظروف، ألا وإنّ من أصعبها ما كان موجهاً إليها من داخلها، وبستارٍ قد ينطلي على بعض المسلمين، وهو ما يتعلق بمسألة التكفير وما نتج عن التوسع فيه بلا حدود ولا ضوابط شرعيةٍ من أضرارٍ ألمَّت بالأمة الإسلامية.
ولقد زلَّت في هذا الموضوع أفهامٌ، وطاشت خلاله أقلامٌ، وتكلَّم فيه من لا يحسنه من غير ذوي الأحلام، بل تصدَّر له حدثاء الأسنان، ودخل فيه من لا يتقن ضوابط التكفير و لا أصوله، فلم يتورع عن تكفير المخالف لأدنى شبهةٍ، أو فرَّط في التكفير من لا غيرة عنده على دين الله تعالى، فالتبس الحق بالباطل عند طائفةٍ من الناس، وحسب على الأمة من ليس منها، ودخل في دين الله ما ليس منه.
والأحكام الشرعية مناطةٌ بالعلماء والقضاة ، وخاصةً ما كان منها يتعلق بالحكم بالكفر سواءٌ أكان على الفرد أم على الجماعة ، وذلك للآثار الخطيرة المترتبة عليه ،ولذا لم يكن يُقْدِم عليه إلَّا من كان له أهلاً ، وحَسْبُ المسلم تحذيراً من خطره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” من قال لأخيه يا كافر فقد بـاء بها أحدهما”.
ولما دَبَّ الجهل بين الناس ببعدهم الناس عن الوحيين العزيزين القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، بفهم سلف الأمة وخيرها وأفضلها، واستُخِف بالعلماء ، وتعددت مصادر تلقي العلم عن المجاهيل وعن غير أهله ، ركب هذا الأمر من ليس له أهلاً ، فَحَلّت بذلك النَّكبات والويلات ، من تكفير المجتمع المسلم ، وحصول التدمير والتفجير وغير ذلك من المفاسد العظيمة والآثار الشنيعة.
ولقد أُسيء نتيجة ذلك ظلماً وعدواناً إلى الإسلام وأهله، ودعاة السنَّة منهم، وإنه لمن الظلم والبغي أن ينسب إلى المسلمين، وإلى أهل السنة ودعاة التوحيد منهم، وإلى السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- أنهم وراء ذلك ، وهذا زورٌ وبهتان ، وهم في الحقيقة برآء منه ، ومن شذ ممن ينتسب إلى الإسلام فلا يمثل الإسلام ولا أهله.
ولقد أبان زيف مثل هذه الفرية بالحجج والبراهين العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – في كتابه “مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام”.
والكلام في مسألة التكفير من المسائل العظيمة والدقيقة في الشرع، فهي من مسائل الأسماء و الأحكام، كالإيمان و التفسيق و التبديع، والتي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، والمولاة والمعادة والقتل والعصمة وغيرها من الأحكام المتعلقة بالردة.
والواجب على طالب الحق أنْ يقف في هذا الباب وغيره من أبواب الدين وقوفاً كليّاً على ما جاء به الكتاب و السنة، متبعاً سبيل المؤمنين المتمثل في منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
” يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعةٍ ظهرت في الإسلام فكفّر أهلُها المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم ” مجموع الفتاوى(13/ 31).
وقال أيضاً:
” و لا يجوز تكفير المسلم بذنبٍ فعله، ولا بخطأٍ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة.والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم عليّ بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، بل جعلوهم مسلمين”.مجموع الفتاوى (13/282-83).
و يقول أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى -:
” إنّ التكفير هو صنيع الجهال، ولا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، فينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً، فإنّ استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول:” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” خطأٌ، والخطأ في ترك ألف كافرٍ أهون من الخطأ في سفك محجمةٍ منْ دم مسلمٍ”.
ختاما: أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر الإسلام وأهله، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يهدي ضالنا، وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا.