بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صحة حديث أبي أيوب رضي الله عنه في صيام الست من شوال
تخريج الحديث:
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1164) من طريق إسماعيل بن جعفر وابن نمير.
وعبدالرزاق في مصنفه (7918، 7919، 7921) من طريق داود بن قيس، وأبي بكر بن أبي سبرة، وابن جريج.
والإمام أحمد في مسنده (23533) عن أبي معاوية.
والإمام أحمد أيضًا (23556) والنسائي في سننه الكبرى (2877) من طريق غندر، عن شعبة، عن ورقاء (هو ابن عمر اليشكري).
وابن أبي شيبة في مصنفه (9816) من طريق ابن المبارك.
والنسائي في سننه الكبرى (2875)، وابن خزيمة في صحيحه (2338) من طريق محمد بن عمرو.
والطبراني (3810، 3813) من طريق روح بن القاسم، وقرة بن عبد الرحمن ، وعمرو بن الحارث ، ومحمد بن حميد ، والقاسم بن عبد الله بن عمر.
وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2654) من طريق حفص هو ابن غياث وأبي أسامة وغيرهما = كلهم عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، عن عمر بن ثابت الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر».
وخالفهم سفيان بن عيينة فيما أخرجه الحميدي في مسنده (380) عنه: عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب موقوفا.
قال الحميدي: فقلتُ لسفيان، أو قيل له: إنهم يرفعونه؟ قال: اسكت عنه، قد عرفتُ ذلك.
▪فالراجح الرفع لكونه من رواية عدد كثير، غالبهم ثقات حفاظ.
وضعف بعض العلماء منهم ابن دحية الكلبي والقرطبي صاحب “المفهم” حديث سعد بن سعيد هذا بعلل ثلاث:
1⃣ أنه موقوف على أبي أيوب رضي الله عنه.
2⃣ ضعف سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري.
3⃣ جهالة عمر بن ثابت الأنصاري.
ويجاب عن هذه العلل بما يلي:
أما العلة الأولى:
فتقدم قبل قليل في تخريج الحديث أن عددا كبير من الرواة من أصحاب سعد بن سعيد رووه عنه مرفوعا، وإنما خالفهم سفيان بن عيينة، فرواه عن سعد موقوفا، وعليه يكون حديث العدد الكثير مع الحفظ أرجح، وقد نبَّه الحميديُّ شيخَه سفيان لذلك، فقال له: اسكت عنه، فلعله لما انتبه لمخالفة الجمع له، أمره بالكف عن روايته عنه لخطئه فيه، والله تعالى أعلم.
وذكر بعضهم أنه جاء من حديث عبدربه بن سعيد موقوفا أيضا:
فقد أخرجه النسائي في سننه الكبرى للنسائي (2878) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب الأنصاري، أنه قال: «من صام شهر رمضان ثم أتبعه ستة أيام من شوال فكأنما صام السنة كلها».
وهذا موقوف ورجال إسناده ثقات، إلا أنه قد خالف ابنَ عبدالحكم أحمدُ بن يوسف السلمي وهو ثقة حافظ وعقيلُ بن يحيى فروياه عن المقرئ به مرفوعا.
وذلك فيما أخرجه ابن منده في غرائب سننه – كما في رفع الإشكال (ص57).
✅ فترجح أنه من حديث المقرئ مرفوع، لرواية راويين له كذلك أحدهما ثقة حافظ.
وقد جاء من وجه آخر مرفوعا أيضا:
أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (2337) من طريق عبد الله بن يوسف.
والطبراني من طريق (3816) كامل بن طلحة الجحدري = كلاهما عن ابن لهيعة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن أخيه يحيى بن سعيد ، حدثني عمر بن ثابت ، قال : سمعت أبا أيوب الأنصاري ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان ، وأتبعه بست فكأنما صام السنة كلها.
فرواه ابن لهيعة من رواية عبدربه عن أخيه، وابن لهيعة متكلم في حفظه واختلط كما هو مشهور، ويصلح في الشواهد والمتابعات.
تنبيه:
رُوي الحديث مرفوعا من حديث يحيى بن سعيد أخي سعد أيضا، إلا أنه حديث مضطرب:
أخرجه النسائي في الكبرى (2879) قال: أخبرنا هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، قال: حدثنا عتبة، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي بكر، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، قال: غزونا مع أبي أيوب فصام رمضان وصمنا، فلما أفطرنا، قام في الناس فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان وصام ستة أيام من شوال كان كصيام الدهر».
قال النسائي: عتبة بن أبي حكيم هذا ليس بالقوي.
وخالف عبدالملك بن أبي بكر حفص بن غياث فجعله عن يحيى بن سعيد عن أخيه سعد عن عمر بن ثابت به = وذلك فيما أخرجه الطبراني في الكبير (3815) من طريق حفص بن غياث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعد بن سعيد ، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صام رمضان ، وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر، قال حفص : ثم لقيتُ سعدًا فحدثني.
وجاء عكس ذلك عند الطبراني (3819) من طريق أبي داود الطيالسي عن ورقاء، عن سعد بن سعيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن ثابت ، عن أبي أيوب ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : من صام رمضان ، وأتبعه بست من شوال فذلك صيام سنة .
❎ والظاهر أنه خطأ فإن الحديث في مسند أبي داود الطيالسي (595) قال حدثنا ورقاء، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان … الحديث.
فلم يذكر يحيى بين سعد بن سعيد وعمر بن ثابت.
أما العلة الثانية:
وهي ضعف سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، فإن سعد بن سعيد الأنصاري مختلف فيه عند الأئمة، فبعضهم يوثقه وبعضهم يجرحه:
فقد قال ابن سعد: كان ثقةً قليل الحديث.
وقال ابن معين في رواية الكوسج: صالح.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه.
وقال العجلي وابن عمار: ثقة.
نعم ضعفه أئمة آخرون فقال الإمام أحمد بن حنبل: ضعيف .
وقال أبو حاتم: مؤدٍ. قال ابنه: يعنى انه كان لا يحفظ، يُؤدى ما سمع. الجرح والتعديل (4/ 84)
وقال الترمذي في جامعه: وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قبل حفظه. (بعد الحديث 759)
وقال النسائى : ليس بالقوى .
فمثله يكون حديثه حَسَنا، خصوصا مع كونه قد توبع عليه:
وذلك فيما أخرجه الحميدي في مسنده (381)، والنسائي في سننه الكبرى (2876) والطحاوي في مشكل الآثار (2344)، والطبراني في الكبير (3814) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر.
فتابع صفوان بن سُليم – وهو ثقة – سعد بن سعيد في رواية الحديث عن عمر بن ثابت.
ولعل هذا هو السبب لإخراج مسلم لحديث سعد بن سعيد في صحيحه؛ لكونه بهذه المتابعة يكون صحيحا لغيره.
وأما العلة الثالثة:
وهي جهالة عمر بن ثابت الأنصاري، فقد ورد عن الأئمة توثيقه:
فقال النسائي: ثقة.
وقال العجلي: مدنيُّ ثقة.
وقال ابن عبدالبر: من ثقات أهل المدينة.
ينظر الثقات للعجلي (1/ 389) والاستذكار (10/258)، وتهذيب التهذيب (3/ 408)
فارتفعت جهالته.
ثم إن لحديث أبي أيوب هذا شاهد من حديث ثوبان رضي الله عنه:
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22412)، وابن ماجه (1715)، والنسائي في سننه الكبرى (2874)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2348)، والروياني في مسنده (616)، والبيهقي في سننه الكبرى (8694) من طُرق عن يحيى بن الحارث الذِّماري، قال سمعت أبا أسماء الرحبي، عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة . من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
✅ وإسناده صحيح، وممن صححه الحافظ العلائي وغيره من النقاد.
انظر: رفع الإشكال عن صيام ستة أيام من شوال ص(76).
الخلاصة:
يتبيَّن مما سبق أنَّ أقل ما يُقال في حديث أبي أيوب رضي الله عنه ـ المخرَّج في صحيح الإمام مسلم أنه صحيح لغيره، وأما كونه ضعيفا فبعيدٌ جدًا لما تقدم، وأنَّ ما أُعل به من أوجه تبين أنها مرجوحة والصواب خلافها، والله تعالى أعلم.
تنبيهان:
1⃣ روي فضل صيام ستة أيام من شوال من حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما من طرقٍ ضعيفة، وروي من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه وفيه اختلاف، فلذلك لم أذكر أحاديثَهم، اكتفاء بصحة حديث أبي أيوب وثوبان رضي الله عنهما، والله تعالى أعلم.
2⃣ قال الإمام مالك في الموطأ (1/310): “لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته؛ وأن يُلحِقَ برمضان ما ليس منه – أهلُ الجهالة والجفاء – لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يَعملون ذلك”.
واختلف أهل العلم في علة كراهية الإمام مالك لصومها فقيل:
▪أ – أن حديث سعد بن سعيد المذكور لم يبلغه:
قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكًا حديثُ أبي أيوب – على أنه حديث مدني – والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه… ولو علمه لقال به.ينظر: الاستذكار (10/259)
▪ب ـ أنه يُضعف هذا الحديث، لضعف راويه عمر بن ثابت:
قال ابن عبد البر: وما أظن مالكا جهل الحديث؛ لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت، وقد قيل: إنه روى عنه مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يُعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه. الاستذكار (10/258)
▪ج ـ أنه لا يرى صيام الست سدا لذريعة إلحاق الجهال برمضان ما ليس منه.
وقد أشار إلى ذلك في عبارته المنقولة سابقا من موطئه. وينظر: المنتقى للباجي (2/ 212)، وعارضة الأحوذي (3/291)
ولم يأخذ بقول الإمام مالك رحمه الله في كراهية صوم الست من شوال عدد من محققي مذهبه، فنصوا على استحباب صيامها لما صح فيها من حديث أبي أيوب وثوبان رضي الله عنهما، منهم: الحافظ ابن عبد البر كما في الاستذكار (10/259)، وأبو عبد الله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/331)، وابن جُزي في القوانين الفقهية ( ص 78)، واللخمي كما في التبصرة (2/815)
والله تعالى أعلم.
كتبه: عبدالباري بن حماد الأنصاري