الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا ما سنح به القلم، وجال به الخاطر من الدروس والعبر مما يسرها الله لي من صيام عاشوراء، والله أسأل أن ينفعني ومن يقرأ بها:
1- العناية بقصص الأنبياء، وقد قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.”
2- ضرورة تدبر القرآن الكريم، وقد قال تعالى: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.”
ولقد زجر الله الذين لا يتدبرون القرآن لما قال: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.”
3- صام موسى شكرا لله على نجاته ومن معه ولغرق فرعون وجنده، فتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم- شكرا لله، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ ». فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا َنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ». فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.رواه مسلم حديث2714.
4- أهمية توحيد الله وعظمته وهو لب دعوة الرسل جميعا، وبسببه أنجى الله من آمن مع موسى عليه السلام، قال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.”
5- خطر الشرك بالله إذ بسببه أهلك الله بالغرق فرعون وجنده،ولقد فال تعالى: “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.”
6- العاقبة للمتقين أهل التوحيد ولو بعد حين، والذّل والصّغار للكفر وأهله مهما طال بقاؤه.
7- الاتباع الحق للأنبياء يكون بالسير على طريقتهم وهديهم وليس بالدعاوى بالانتساب إليهم، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ».
8- الشكر لله إنما يكون بالطاعات لا بالمعاصي كحال كثير منّا وخاصة في مناسبة الأفراح من اختلاط وتعرٍ محرّم كما في الزواجات وغيرها.
9- الاحتفاء والاحتفال بالدين ومسائله، يكون تبعا للنصوص الشرعية، ولا نتعداها ببدع محدثة من الاحتفال بيوم ولادته -صلى الله عليه وسلم-، وبالهجرة الشريفة، وبالإسراء وغيرها من المحدثات.
10- الصوم التطوعي قربة من القرب إلى الله، ومنه صيام المحرم لحديث رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- “أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ”.رواه مسلم.
11- عظيم أجر هذا اليوم من واسع رحمة الله ومغفرته في قوله-صلى الله عليه وسلم-: “ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ» .رواه مسلم.
12- فيما رواه مسلم حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ – صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ »، دليل على أن مخالفة اليهود والنصارى أمر هام شرعا.
فالحذر من تقليدهم في دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، إذ ثبت في الحديث عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”. أَخْرَجَهُ أحمد وعَبد بن حُميد وأبو داود.
13- عناية السلف بالأبناء في الصيام وتربيتهم وتنشئتهم على الطاعات، فعنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ.رواه البخاري
وقد كان من دعاء إبراهيم عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
ومن دعاء عباد الرحمن: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
14- في الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف وإنما صنع لهم ذلك للتمرين، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقال النووي رحمه الله: “وفي هذا الحديث تدريج الصبيان بالنفل إلى زمان فعل الواجب”.
15- ضرورة أن يكون اللعب للأولاد هادفا نافعا دينا ودنيا، ويعينهم على الطاعة، ويربيهم عليها.
16- يقال في هذا الشهر: شهر المحرم ولا يقال شهر محرم.
كتبه عاصم بن عبدالله القريوتي، حامداً ومصلياً، في التاسع من شهر المحرم لعام ألف وأربعمائة وأربع وثلاثون للهجرة.