فقدت جوالي فوجدت قلبي
-
أ.د. عاصم القريوتي
-
483458
نشر عبر الشبكات الإجتماعية
فقدت جوالي فوجدت قلبي
أ.د. طه عابدين – أستاذ التفسير بجامعة أم القرى
سافرت في الأيام الماضية إلى إندونيسيا بلد الجمال والصفاء، في رحلة مباركة سامية المقاصد مع رفقة طيبة وعند وصولي إلى جكارتا فقدت جوالي ذات المواصفات والقيمة العالية، وكنت في أشد الحاجة إليه للتواصل مع أهلي وأصحابي، ومتابعة بعض أعمالي وتصريف بعض مسؤولياتي، ومما أحزنني أكثر ضياع معلومات مهمة بداخله
ولكن الله قذف في قلبي اليقين بأنَّ من وراء ذلك حكم ولطائف كثيرة؛ ولذا مباشرة احتسبته، واسترجعت، وسألت الله أن يعوضني خيرا مما فقدت
فكان أعظم ما عوضي الله تعالى به أن وجدت قلبي الذي كان قد فرقه الجوال في أودية سحيقة بين كثرة الاتصالات التي تتطلب ردا، وبين كثرة الرسائل التي كثير منها شاغل للفؤاد صارف للبصر
فعشت عشرة أيام لم أستقبل فيها مكالمة، ولم أقرأ واتس أو تغريدات ولا غيره قصداً لأجرب العيش دون جوال
فعشت فترة من الهدوء والصفاء اعتبرها من أمتع أيام حياتي، اجتمع بصري في التفكر في آيات الله، وتفرغ لساني لذكر الله، واجتمع قلبي في عبودية الله
وعرفت أن الوسائل العصرية كما أعطت أخذت، أخذت من عافيتنا وديننا، فجلبت إلينا الكثير من الأمراض، وشغلنا في عبادتنا، وقطعت الكثير من الجلسات الجميلة مع أهلنا وأبنائنا وأصحابنا وزاحمت سلم أولوياتنا فشغلتنا بالمفضول عن الفاضل، وبالغث عن السمين
فعلمت أن متعة الحياة في تفرغ القلب لله، وهي الحياة المثلى التي اختارها الله لرسوله، تلك الحياة التي قلَّت فيها الصوارف، واجتمع القلب فيها لله.
فخرجت من هذه الرحلة بقرار حاسم بحيث أخفض تعاملي مع الجوال بنسبة 70% وهذا يتطلب الآتي:
1- الخروج من تلك المجموعات الكثيرة التي أضافني فيها بعض طلابي وأصدقائي وأرحامي ، ارجو المعذرة في ذلك.
2- الرد فقط على المكالمات المهمة وفي مساحات ضيقة من الوقت، لأن الإنسان إذا كان في بيته غير ملزم بالإذن لكل طارق فكيف بجواله الذي صار يلاحقه في كل مكان وزمان وحال.
3- التعامل مع خدمات الجوال الأخرى في أوقات محددة من اليوم، خاصة مع كثرة الرسائل التي أصبحت تنهال علينا كالمطر.
فحمدت الله الذي أخذ مني جوالي وعوضني قلبي، وأن الله تعالى له الحكمة البالغة فيما يأخذ ويعطي
كما قال يوسف عليه السلام بعد كل ما مر به من الابتلاء:
{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
والحمد لله الذي جعل أمر المؤمن كله خير وعاقبته إلى خير..