كلمة فضيلة الشيخ العلامة عمر بن محمد الفلاني
رحمه الله
الشهير ب ( فلاتة )
الأمين العام المساعد للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1385هـ والمدرس في الحرم النبوي الشريف.
(ت1419هـ)
في مؤتمر جماعة أهل الحديث بلاهور – باكستان
عام 1417هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه وأفضل أنبيائه ورسله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
صاحب الفضيلة رئيس جمعية أهل الحديث.
صاحب الفضيلة الأمين العام لجماعة أهل الحديث.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة .
أيها الحفل الكريم:
أحييكم جميعاً بتحية الإسلام:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
كما أني أبلغكم تحيات إخوانكم بالمدينة المنورة من العلماء ، وأهل الحديث فقد حملوني إبلاغكم أجمل تحياتهم وأجزلها ، وأخلصها وأكملها ، ويبلغونكم تمنياتهم المباركة ، ويسألون الله عزوجل أن يبارك اجتماعكم هذا ، ويكلأه بتوفيقه ورضوانه، وأن يجعل جمعكم هذا مرحوماً ، ويجعل سعيكم مشكوراً ، ويشملكم برعايته حتى تخرجوا من هذا الاجتماع بعمل مبرور ، وتكون آثاره ومقرراته ووصاياه خيراً ونافعة للإسلام والمسلمين .
أيها الحفل الكريم :
لقد عرض على خاطري عندما عزمت على الاشتراك معكم والتشرف بالاجتماع بكم تساؤل وتساؤل ؟ لأني عرفت انعقاد هذا الجمع ، الدنيا يصبرنها أم لمناصب دنيوية أو دينية يترقبونها ؟ ولماذا فارقوا مدنهم وقراهم بظلهم ، وتمنع عنهم حرارة الشمس ، ومصابيح تمدهم بالضوء ، كلهم رجالاً ونساءً ، وصغاراً وكباراً ، وشيباً وشباناً يشهدون أن لا إله إلا الله ، وان محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجردون الإخلاص لله ، ويجردون المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . اجتمعوا للعمل بالقرآن ولاتباع سيد ولد عدنان ، أقيمت لذكر الله وطاعته، ولاغتنام اجتماع عدد كبير من العلماء والوعاظ والدعاة ، ليتفقهوا في الدين ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .
شعارهم: قال الله وقال رسول الله.
وديدنهم: الدعوة إلى طاعة الله وصدق الإتباع لرسول الله.
وانتماؤهم: إلى جماعة أهل حديث رسول الله.
ومذهبهم: ( عليكم بسنت وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ).و إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم ارحم خلفائي قالوا ومن هم يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي يعملون بهدي ويستنون بسنتي) أو كما قال رسول الله صلى عليه وسلم .
وقد قال فيهم القائل :
أهل الحديث همو أهل النبي وإن لم…..يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وقول الآخر:
أهل الحديث عصابة الحق ….. فازوا بدعوة سيد الخلق
فوجوههم زهر منضّرة ….. لألاؤها كتألق البرق
وعليه فما دام الأمر كذلك ، فإن الملائكة ستحفهم ، ورحمات الله تشملهم تحقيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يذكرون الله ، ويتدارسونه القرآن ، إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده”.
أيها الحفل الكريم :
يخطئ البعض عندما يظنون أن أهل الحديث أعداء لأهل العلم ومحاربون لعلماء المذاهب وعلى رأسهم الأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله رحمة واسعة ، وتغمدهم برضوانه وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
والأئمة الأربعة هم من أهل الحديث ، وحملة الدعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حنيفة الإمام *** لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تعرضا *** على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة *** قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول *** ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم *** قولي مخالفا لما رويتم
من الأخبار فاضربوا الجدار *** بقولي المخالف الأخبار
وأحمد قال لهم لا تكتبوا *** ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
وقال ابن تيمية في “منهاج السنة”: “أما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث”
وبعد:
فإن من تتبع أقوال أهل الحديث ، واطلع على أحوالهم ، ووقف على آثارهم علم يقيناً أنهم دعاة إلى هدى الله ، وحرب على من أعرض عن قول الله وقول رسول الله ، وضرب بهما عرض الحائط . كأمثال من قال :
لو أتتني مائة من الأحاديث رواها الثقة وجاءني قول عن الإمام قدمته ، ولذا قال العلامة ابن عبد البر رحمه الله :
من استخف عامداً بنص ما *** عن النبي جا كفرته العلماء
وليس صحيحاُ ما قيل عنهم بأنهم أعداء لأقوال أهل العلم وفقهاء الإسلام فإن بيوتهم وتدارسهم ومكتباتهم بحمد الله تعالى حافلة بكتب العلماء وبخاصة شروح الحديث النبوي كالصحاح و المسانيد والمجاميع والسنن وغيرها وعلوم الآلة التي تساعد على عمق الفهم عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غارت عيونهم من جراء تحقيقهم وتنقيحهم لأقوال العلماء ، وترجيحها والجمع بين الأقوال .
همهم في كل هذا البحث والتنقيب والوقوف على الأقوال الصحيحة، والآراء السليمة التي توضح السبيل ، وتنير السالك للوقوف على شرع الله .
أيها الحفل الكريم:
إن مذهب أهل الحديث ، وهو مذهب سلف هذه الأمة لم يكن في يوم من الأيام داع إلى التعصب على أقوال الرجال ، ولا إلى تقديس الآراء ، وإيثار أقوالهم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هم دعاة إلى تحقيق قول الله تعالى:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وهم دعاة أيضاً إلى تحقيق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي قائمين إلى الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي وعد الله”.
وأهل الحديث في اعتقادي هم من أكثر الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكثرهم صلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وهل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع؟
أليسوا هم الذين عناهم رسول الله بقوله “نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها ، فاداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع”؟
وأخيراً فإن أهل الحديث جماعة تحابوا في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا على ذلك ، وتفرقوا عليه .
لم يجمعهم حسب ولا نسب ، ولا قبيلة أو عشيرة ، ولا بلد ولا موطن .
جمعهم ما جمع الرعيل الأول من السلف أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن الربيع ، وسعد بن عبادة وسعيد بن معاذ ومصعب بن عمير ، و بلالاً و صهيباً و خباباً وسلمان ، وغيرهم و غيرهم كثير وكثير .
واسمحو لي أن أذكر لكم مشهداً شهدته قبل عشرين عاماً وفي هذه البلاد لاهور، بل وهذه البقعة التي نحن فيها الآن وبقرب ؟؟؟؟ ا وفي مثل هذا الاجتماع الذي أقامته جماعة أهل الحديث في الباكستان .
ألا هو انه وقع خلاف يسير بين شخصيتين كبيرتين من أهل الحديث وكلاهما أفضى إلى ما قدم، وأسأل الله جل وعلا لهما الرحمة والرضوان .
وقد ظن المجتمعون هنا أن أحدهم سيقاطع هذا المحفل ، ولما انعقد الجمع ، واستكمل حضور الوفود ، وإذا بالأخ العلامة الشيخ إحسان الله ظهير رحمه الله يصعد على المنصة ، ويسلم على الجمع ويستأذن لإلقاء كلمته ، وما كنا نتوقع حضوره فضلاً عن إلقاء كلمته، لما اشيع من عدم حضوره فارتاحت النفوس ، واشرأبت العيون ، واستغرب مثيروا الفتن والأحقاد والقلاقل وكان هذا من فضل الله .
هذا ولما بدء حديثه بعد حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قول بعض الناس: إن إحسان الله ظهير مقاطع للمؤتمر غير راغب في حضور اجتماعاته وقال ما معناه:
(يا لله العجب متى رآني الناس وعلي زناد ، أو رأوني عابد وثن أو مخلوق أو ناراً ، أو رأوني وقد انخلعت عن ديني وعقيدتي وإيماني برسولي ، واتباعي لسنته ، إن الخلاف الشخصي شيء والخلاف العقدي شيء آخر.
وها أيديكم معلناً ملايين المرات أنني من أهل الحديث وجماعة أهل الحديث ، وليست هذه العقيدة ثوباً يخلع ، ولا اسما يغير ، وعلى ذلك احيي وعلى ذلك أموت إن شاء الله . وقد حصل له ولله الحمد .
ولذا فإني اغتنم فرصة هذا الجمع لادعوا إخواني إلى الوحدة وعدم التفرق ، وإلى توحيد الصف ونبذ الخلافات التي تدعوا إلى تفريق الجمع , وتذكروا بأن أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة عندما هاجر إليها هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. الأمر الذي دعا رجلاً من الأنصار أنه عرض على أخيه المهاجري أن يتنازل له عن نصف ماله ، وأن يخيره في أن ينظر إلى إحدى زوجتيه ليختار من شاء منهما ليتنازل عنها له ليتزوج بها بعد انتهاء عدتها .
كما أذكركم أنكم إنما تدعون لله وإلى سنة رسول الله ، ولستم دعاء لنفسكم ، ما دام أن الأمر لله فيكن الهدف هو مرضاة الله .
أيها الجمع الكريم:
يا جماعة أهل الحديث إنه قبل قرن أو أكثر أو أقل شع نور عظيم من هذه القارة الباكستانية والهندية، أضاء هذا النور بقعة كبيرة من العالم ، وسطع ضوءه حتى بلغ إلى المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وتلقى هذا النور والضياء جماعة انتشروا في العالم الإسلامي ، فكانوا دعاة للعقيدة الصحيحة ، وحماة للسنة النبوية . لا أستطيع ذكرهم وحصرهم ، وإنما أسمي بعضاً منهم تحضرني أسماؤهم الآن العلماء والدعاة المحدثون:
محمد حياة السندي ، محمد عابد السندي ، نذير حسين شاه ولي الله الدهلوي ، إسماعيل الدهلوي ، عبد العزيز شاه ، ثناء الله الأمرتستري ، ومحمد عطاء الله حنيف ، خليل الله الأنصاري ، محمد حافظ فتح ، محمد يونس الشيخ المباركفوري ، تلميذه الشيخ عبيد الله المباركفوري ، عبد العزيز الميمني ، عبد المجيد الحريري وغيرهم وغيرهم كثير .
الذين أثروا المكتبة الإسلامية ، و؟؟؟حملهم الله إياه . وتحدث التاريخ عنهم وحفظ لهم صنيعهم ، وسيجدون جزاءهم وافراً عند ربهم ولا يظلم ربك أحداً .
واستسمحكم بأن أنفث ما في صدري وأقول ما لهذا الضوء قد خفت؟!
وما لهذا المد والتيار الساطع قد انطفأ؟!
أو ما آن للنائم أن يصحوا؟ ومتى سيصحو؟ وكيف يصحو؟ أبالاشتراك في الأحزاب و بالسياسات؟
أم بالاشتغال بالعلم النبوي ، وتأليف الكتب ، والاشتغال بالدعوة والتضرع لها ، ونشر الكتب والحقائق الإلهية وفتح المدارس والمعاهد الدينية ، والتدريس باللغة العربية والعناية بها لا باللغة الأردية فقط والاكتفاء بها؟
وذلك ليتم الأخذ من المصدرين العظيمين، والتحدث بها في المجامع والجوامع والجامعات والمعاهد..
هذا وإن عودة هذا الضياء لينشر ليس بمحال وما ذلك على الله بعزيز ، ويومها يفرح المؤمنون بنصر الله .
فاللهم أرنا الحق حقاُ وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وجنبنا اللهم منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واجمعنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم في جنات الفردوس، لأن المرء مع من أحب.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مدينة لاهور 5/6/1417هـ من هجرة أفضل الخلق .
ونشرها تلميذه: عاصم بن عبدالله القريوتي عفا الله عنه.