لا صحة للتعازي لأجل وداع رمضان ورحيله

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 6311
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد كثر هذه الأيام وشاع منذ سنين خلت تبادل التعازي لأجل وداع شهر رمضان ورحيله، وهذا مع كونه لا أصل فهو محالف للشرع من أوجه كثيرة:

الوجه الأول:

قال الله تعالى:
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة الآية185).
وقال الإمام الشافعي في تفسير هذه الآية:
“سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: ولتكملوا عدة صوم شهر رمضان ولتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان. وما أشبه ما قال بما قال. والله أعلم. قال الشافعي: وأحب أن يكبر الإمام خلف صلاة المغرب والعشاء والصبح وبين ذلك وغاديا حتى ينتهي إلى المصلى.” معرفة السنن والآثار (3/29).

الوجه الثاني:

يتعارض مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ” متفق عليه.
أي للصائم مرتان من الفرح عظيمتان:
إحداهما في الدنيا فرحة عند فطرة أي إفطاره بالخروج عن عهدة المأمور أو بوجدان التوفيق لإتمام الصوم أو بالأكل والشرب بعد الجوع والعطش أو بما يرجو من حصول الثواب.
والأخرى فرحة عند لقاء ربه أي بنيل الجزاء أو حصول الثناء أو الفوز باللقاء. انظر “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (6/ 249).

الوجه الثالث:

يخالف مشروعية التهنئة بالعيد.
وهي ثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم، فعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى يوم العيد يقول بعضهم لبعض : “تقبل منا ومنك”. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: إسناده حسن.
وروى ابن حبان عن علي بن ثابت قال: سألت مالك بن أنس عن قول الناس يوم العيد: تقبل الله منا ومنك؟ فقال: ما زال ذلك الأمر عندنا ما نرى به بأسا. “الثقات” (9/90).
قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد: تقبل الله منا ومنكم، قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وبوب البيهقي في سننه فقال: باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك.
وروى عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين: تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين، فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا.
وقال ابن حجر: وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك”. (فتح الباري) (2/446).

الوجه الرابع:

مشروعية الغناء المباح للنساء فرحا يوم العيد.
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُوبَكْرٍ فَانْتَهَرَنِى وَقَالَ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «دَعْهُمَا»، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِمَّا قَالَ: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِى وَرَاءَهُ خَدِّى عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِى أَرْفَدَةَ». حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ «حَسْبُكِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ «فَاذْهَبِى».
وهذا الحديث العظيم دالٌ على سماحة الإسلام وقد رَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: “لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي بُعِثْت بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ” وانظر السلسلة الصحيحة 1829.

وبهذا يتبين أن التعزية بفراق رمضان غير مشروعة، وأمّا ما يشاع عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه و آله وسلم فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي: “يَا جَابِرُ، هَذَا آخِرُ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَوَدِّعْهُ وَقُلِ:
” اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ صِيَامِنَا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنِي‏ مَرْحُوماً وَ لَا تَجْعَلْنِي مَحْرُوماً” فَإِنَّهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ظَفِرَ بِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا بِبُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ إِمَّا بِغُفْرَانِ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ”. فهو كذب باطل ومصدره شيعي وليس من كتب أهل السنة.

وكل الخير في اتباع من سلف، والله أسأل أن يوفقنا لاتباع السنة، وأن يتقبل أعمالنا ويجنبنا البدع والمعاصي.

والحمد لله رب العالمين.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق