قال رحمه الله:
و ضعت حاشية على كتاب كشف الشبهات لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب و طبعتها و نشرتها, و لكني استعملت في ذكر اسمه ما يسمى في مصطلح الحديث بتدليس الشيوخ, وهو جائز بل مستحسن إذا أريد به الإصلاح, و ذلك أن الشيخ يكون له اسمان اشتهر بأحدهما و لم يشتهر بالآخر فيذكره الراوي عنه بالاسم الذي لم يشتهر به لمصلحة في ذلك, أما إذا فعل ذلك ليوهم الناس علو سنده وترفعه عن الرواية عنه ليوهم الناس أنه لا يتنزل للرواية عن مثله لصغر سنه أو عدم شهرته و غير ذلك من حظوظ النفس الأمارة فهو مذموم.
وقد سميت الشيخ محمد بن عبد الوهاب محمد بن سليمان الدرعي فنسبته إلى جده ثم نسبته إلى الدرعية و ذلك حق فهي بلدته ولكن لم يشتهر بذلك, و زاد الأمر غموضا أن في المغرب كورة تسمى (درعة) و النسبة إليها درعي, فنجحت فيما قصدته من ترويج الكتاب.
فقد طبعت ألف نسخة فبيعت في وقت قصير, و لم يتفطن أحد لذلك حتى الشيخ أحمد بن الصديق مع سعة اطلاعه و علو همته في البحث و كثرة ما في خزائنه من الكتب بقي في حيرة لأنه بحث في تاريخ المنسوبين إلى درعة فلم يجد أحدا منهم بذلك.
ولا أثر عنه هذا الكتاب, فبعث إلي يسألني عن هذا المؤلف !! من هو فأخبرته بالحقيقة, و لما اطلع العالم الأجل مفتي المملكة العربية السعودية و شيخ شيوخها محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه على هذا العمل استحسنه كل الاستحسان.
وإنما فعلت ذلك لأن المتأخرين من رجال الدولة العثمانية حرضوا شرار العلماء في جميع البلاد الإسلامية على تشويه سمعة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و كذبوا عليه، و أوهموا أتباعهم أنه جاء بدين جديد, و أنه يتنقص جانب النبي الكريم و يكفر المسلمين، إلى غير ذلك من الأكاذيب.
وقد تبين لأكثر الناس بطلان تلك الدعوى و علموا علم اليقين أن محمد بن عبد الوهاب من كبار المصلحين الذين فتح الله بدعوتهم عيونا عميا و آذانا صما, و أنه أحيا العمل بكتاب الله و سنة رسوله في جزيرة العرب بعدما كاد يندثر.
وإلى الآن لا يزال بعض الغربان ينعقون بسبه كالغراب الذي تقدم ذكره, و ذلك لا يضره: إن كانوا مسلمين فإن سبهم له يجعل حسناتهم في صحيفته و إن كانوا مشركين فإن الله يزيدهم عذابا.
ولما طبع هذا الكتاب غضب عباد القبور و أصحاب الطرائق وخطب كثير من أئمة المساجد خطبة الجمعة و نبهوا المستمعين إلى ما في هذا الكتاب من الضلال بزعمهم, لأن توحيد الله عندهم أعظم الضلال ولكن لم يستمع لهم أحد.
أما العلماء المحققون, كالأستاذ محمد الطنجي و الأستاذ المجاهد عبد السلام المرابط و الأستاذ العبقري عبد الله كنون فإنهم رحبوا بطبع هذا الكتاب و أثنو عليه و على مؤلفه و ناشره, ولا يضر السحاب نبح الكلاب.
ما ضر بدر السما في الأفق تنبحه……سود وقد مشى على مهل
ثم طبعتُ رسالة زيارة القبور مع حواشي قليلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية و سميته أحمد بن عبد الحليم الحراني, و لم أذكر لفظ بن تيمية للعلة السابقة الذكر, فراح الكتاب وانتشر و نفع الله به المسلمين.
ولما بعثت من كل من الكتابين نسخة إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه فرح بنشرهما واستحسن الطريقة التي سلكتها لبعد نظره و وفور عقله و حكمته ).
من كتابه(الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة) ص 65.