ﻃﺮﻕ ﻣُﺒﺘﻜﺮﺓ ﻟﻠﺘﻔﺮُّﻍ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ
لفضيلة الشيخ ﺃ/ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﻌﺠﺐ ﺍﻟﻌﺘﻴﺒﻲ
ﻗﺎﺑﻠﺖُ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﻟﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﻳﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻨﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﻋُﻤﺮﻩ ، ﻓﺄﺳﺮَّ ﻟﻲ ﺑﺮﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ، ﻻ ﻟﻠﺮﺍﺣﺔ ، ﻭﻻ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻟﺤُﺮ، ﺑﻞ ﻟﻠﺘﻔﺮﻍ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺓ !
ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ – ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ – ﻗﺪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺮﺁﺀﺓ ﺟﺰﺀٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ، ﻭﻻ ﻗﺮﺁﺀﺓ ﺻﻔﺤﺎﺕٍ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻣُﺸﻮِّﻕ ، ﻭﻻ ﻣﺪﺍﺭﺳﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ، ﻭﻻ ﻛﻒِّ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭﻣﺰﺍﻟﻖ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ، ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺛُﻠَّﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻫﻢ ﻗﻼﺋﻞ ، ﻛﻤﺎ ﺗﺪﻝُّ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﺍﻟﺤﺎﻝ.
ﻭﺷﻮﺍﻏﻞ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺧﺎﺭﺟﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺼﺮﻫﺎ ، ﻓﺘﺸﻮﻳﺶ ﺍﻟﺬِّﻫﻦ ﻭﺗﻔﺮﻕ ﺍﻟﻔِﻜﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻝ ﻭﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻗﺪ ﻻ ﺗُﺴﺎﻋﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺻﻔﺎﺀ ﺫﻫﻨﻪ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﺍﺟﺒﺎﺗﻪ .ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺘﻔﺮﻍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺭﺑﻪ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﺷﺘﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﺍﺧﺘﻠﺴﺖ ﺃﻭﻗﺎﺗﻬﻢ ، ﻓﺘﺒﻠَّﺪﺕ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻬﻢ ﻭﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ ؟!
ﻓﺨﻠﺖ ﺍﻷﻓﺌﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﻀﺮُّﻉ ، ﻭﺃﺿﺤﺖ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻻ ﺭﻭﺡ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻋﻆ ﻭﻻ ﺑﺰﻭﺍﺟﺮ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ، ﺇﻻ ﻣﻦ ﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺸﺘﻜﻰ .
ﻓﺎﻟﺘﻔﺮُّﻍ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﻄﻠﺐٌ ﻻﺯﻡ ﻟﻠﺘﺰﻭﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ، ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻭﻗﺒﻠﻬﺎ ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ، ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﺍﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻭﺳﺎﺥ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻬﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺇﻥ ﻏﻔﻞ ﻋﻦ ﺍﻹﻟﺘﻔﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻬﺎ .ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ:” ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺗﻔﺮَّﻍ ﻟﻌﺒﺎﺩﺗﻲ ، ﺍﻣﻸُ ﺻﺪﺭﻙ ﻏِﻨﻰً ﻭﺃﺳﺪُّ ﻓﻘﺮﻙ ، ﻭﺇﻥ ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ﻣﻸﺕُ ﻳﺪﻳﻚ ﺷُﻐﻼً ، ﻭﻟﻢ ﺃﺳُﺪَّ ﻓﻘﺮﻙ “ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩ ﺻﺤﻴﺢ .
ﻭﻗﺪ ﺗﻘﺮﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻴﻦ ﺃﻥ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻭﺍﻟﻔﻮﺭ ﻹﺑﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻣﺔ ﻭﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻨﺎﻁ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ .
ﻟﻮ ﺭﺟﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺟﻢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻻﺻﻄﻼﺡ ﻟﻠﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﻔﺮُّﻍ ﻟﺘﺒﻴَّﻨﺖ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻵﺗﻴﺔ : ﺍﻟﺨَﻠﻮﺓ ، ﺍﻹﺗﻤﺎﻡ ، ﺍﻟﻘﺼﺪ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟُّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻌﺰﻳﻤﺔ.
ﻭﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺘﻔﺮُّﻍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻵﺗﻴﺔ :
1- ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻟﻠﻪ ﺑﺎﻹﺧﻼﺹ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻥ ﺃﻣﻜﻦ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﻤﺰﻳﺪ ﺍﺑﺘﻬﺎﻝ ﻭﺧﺸﻮﻉ .
ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻭﺍﺳﻊ (ﺕ: 123ﻫـ ) ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
” ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺒﻜﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻭ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ ﻣﻌﻪ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ . “.
ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺼﻼﺓِ ﻟﻴﻞٍ ﺃﻭﺑﻌﻤﺮﺓٍ ﺃﻭ ﺑﺼﻴﺎﻡٍ ﺃﻭ ﻧﻔﻘﺔٍ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ .
ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺬَّﺭ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺓ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻟﻤﺰﻳﺪ ﺗﻀﺮﻉ ﻭﺍﻧﻜﺴﺎﺭ ﻓﻼ ﻟﻮﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻻ ﺇﺛﻢ ، ﻭﻟﻴﻠﺰﻡ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻟﻴﻠﻪ ﻭﻧﻬﺎﺭﻩ ، ﻋﺴﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﺝ ، ﻟﻴﻨﺠﻮ ﻣﻊ ﻣَﻦ ﺩﺏَّ ﻭﺩﺭﺝ . ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 – 4].
2- ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺇﺗﻤﺎﻡ ﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺟﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﺮﻏﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻧﺰﻋﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ:
والنفس ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺇﻥ ﺗُﻬﻤﻠﻪ ﺷﺐَّ ﻋﻠﻰ ﺣُﺐِّ ﺍﻟﺮَّﺿﺎﻉ ﻭﺇﻥ ﺗﻔﻄﻤﻪ ﻳﻨﻔﻄﻢِ
ﻭﻳﻠﺤﻖ ﺑﺬﻟﻚ:
ﻭﺟﻮﺏ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﻨﻮﺍﻗﺺ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮَّﻁ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻴﺴﺘﺪﺭﻛﻬﺎ ﺑﻘﻀﺎﺀ ، ﻭﻣﺰﻳﺪ ﻧﺎﻓﻠﺔ ، ﻭﺭﺩِّ ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻠُّﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻬﻢ ، ﻭﺍﻟﺘﺼﺪﻕ ﻋﻨﻬﻢ ﺇﻥ ﺗﻌﺬَّﺭ ﺫﻟﻚ .
ﻭﻫﺬﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ . ﻭﻣﻦ ﻛُﺴﺮ ﺷِﺮﺍﻋﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ، ﻓﻠﻴﺘﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻴﻨﻮﻱ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﻭﻋﻤﻠﻪ ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ ، ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺃﺟﺮﻫﺎ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ .
3- ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻻ ﺗُﺴﻌﺪ ﻓﺆﺍﺩ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﺸﺮﺡ ﺻﺪﺭﻩ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﻘﺼﺪﻫﺎ ﺑﻌﺰﻳﻤﺔ ﻭﺻﺪﻕ ، ﺑﻼ ﻋﺠﻠﺔ ﻭﻻ ﺗﺴﻮﻳﻒ .ﻷﻥ ﻟُﺒَّﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻘﺮﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻻ ﺑﺎﻷﻟﻔﺎﻅ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ .ﻭﻗﺪ ﺑﻴَّﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻌَﺠَﻠﺔ ﻭﻗﻌﺖ ﻟﻤﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﺑﺘﻐﺎﺀ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻗﻮﻣﻪ ﺍﻟﻌﺠﻞ ،ﻭﻗﺪ ﻋﺎﺗﺒﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى.قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى. قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه: 83 – 86].
ﻭﻳﺘﻀﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺃﻭﻗﺎﺗﻬﺎ ﺣﺴﻤًﺎ ﻟﻨﺰﻏﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ، ﻭﻗﻄﻌًﺎ ﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ .ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﻉ :
” ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻤﻞ: ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻟﻮﻗﺘﻬﺎ، ﻭﺑﺮ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ “. ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ.
4- ﻋﻨﺪ ﻓﺘﻮﺭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻍ ﻟﻬﺎ، ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺧﺸﻴﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ . ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ :
” ﺇﺫﺍ ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺿﺮﺑﺖ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺄﺟﻨﺤﺘﻬﺎ ﺧﻀﻌﺎﻧﺎً ﻟﻘﻮﻟﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻮﺍﻥ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻓُﺰِّﻉ ﻋﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﻗﺎﻝ ﺭﺑﻜﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ “ . ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﻭﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ” ﻣﺮﺭﺕُ ﻟﻴﻠﺔ ﺃُﺳﺮﻱ ﺑﻲ ﺑﺎﻟﻤﻸ ﺍﻷﻋﻠﻰ، ﻭﺟﺒﺮﻳﻞ ﻛﺎﻟﺤِﻠﺲ ﺍﻟﺒﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ “ . ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﻄﺒﺮﺍﻧﻲ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩٍ ﺣﺴﻦ .ﻭﻣﻤﺎ ﻳﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺗﻔﻘﺪ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ، ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﺸﺮﻉ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﻼﺡ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻏﻠﺒﻪ ﺃﻋﺪﺍﺅﻩ ﻭﺗﺸﺘﺖ ﺃُﻣﻮﺭﻩ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ .
5- ﻣﻦ ﺟﺎﻫﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺿﻌﻔﺖ ﺑﻪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪَّﻡ ﻣﻦ : ﺧﻠﻮﺓ ﻭﺇﺗﻤﺎﻡ ﻭﻗﺼﺪٍ ﺑﻌﺰﻳﻤﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ ، ﻭﺃﻳﻘﻦ ﻓﺘﻮﺭ ﻫﻤﺘﻪ ﻭﺑﺪﻧﻪ ، ﺇﻣﺎ ﺑﻤﺮﺽ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻭ ﺑﺪﻧﻲ ، ﺃﻭ ﺑﻼﺀ ﻳﺘﻌﺬَّﺭ ﺑﻪ ﺍﻟﺘﺮﻗِّﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ، ﻓﻠﻴﻜﺜﺮ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺁﻧﺎﺀ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ، ﻓﺒﻪ ﺗُﺴﺘﺠﻠﺐ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﻭﺗُﺪﻓﻊ ﺍﻟﻨَّﻘﻤﺎﺕ . ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﺼﻦ ﺍﻟﺤﺼﻴﻦ ، ﻭﺍﻟﺰﺍﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻨﻔﺪ ﻭﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳُﺜﻠﺐ .
ﻭﻟﻴﺠﻤﻊ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺻﺪﻗﺔ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺃﻭ ﻭﻗﻒ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎﺗﻪ ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻴﺮﺍ ﻛﺘﻮﺯﻳﻊ ﻣﺼﺎﺣﻒ ، ﻭﺗﺴﺒﻴﻞ ﻛُﺘﺐِ ﻋﻠﻢٍ ﻧﺎﻓﻊ ، ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺑﺎﺕ .
ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻠﺬِّﻛﺮ ﻣﺌﺔ ﻓﺎﺋﺪﺓ ، ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﻓﻮﺍﺋﺪﻩ ﻻ ﻳُﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺣﺼﺮﻫﺎ .ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152])، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺟَﻤﻌﺖ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻳﺮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻌﺒﺪ ،ﻭﺗﻀﻤَّﻨﺖ ﺩﻓﻊ ﻛﻞ ﻣﻜﺮﻭﺏٍ ﻳﺨﺎﻓﻪ ، ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻟﻤﺸﻤِّﺮﻭﻥ ؟! .ﻭﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻝ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺟﺎﻫﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺍﺗَّﻘﻰ ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓُﺘﺢ ﻟﻪ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳُﻔﺘﺢ ، ﻓﻼ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻻ ﺣﺰﻥ ، ﺳﻮﺍﺀ ﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺒِﺤﺎﺭ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘِﻔﺎﺭ ، ﺃﻭ ﺃﻛﻠﺘﻪ ﺍﻟﺴِّﺒﺎﻉ ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ” {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]
ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻭﺍﻷﺳﺒﺎﺏ – ﺑﻌﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﻓﻲ ﻇِﻞ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﻀﺮﺏ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍلاﻧﺸﻐﺎﻝ ﺑﺎﻷﻭﻻﺩ ﻭﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻳﺼﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻻﻩ ﻭﻳﺤﺼﺪ ﺟﻨﺎﻩ.
ﻭﻣﻦ ﻓﺮﺍﺋﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ (ﺕ : 751ﻫـ ) ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟُﺄﺻﻮﻟﻴﺔ ﻗﻮﻟﻪ :
“ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳُﺠﺮ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻋِﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﻩ ، ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻧَﺼَﺒﻬﺎ ﺃﺩﻟﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ”.
ﻓﺘﻠﻤﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻣﻤﺎ ﻳُﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﻬﻤﻢ ﻭﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﻤﺮﺍﻡ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ .
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﺃﻥ ﺃﺷﺮﻙ ﺑﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻢ ، ﻭﺃﺳﺘﻐﻔﺮﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺃﻋﻠﻢ .
ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﻴﺴﺮﻩ ﺗﺤﺮﻳﺮﻩ ، ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ ﺗﺘﻢ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ .