ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺣﺮﺍﻛﺎ ﻣُﻨﻈَّﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻠﺘﺴﻠُّﻞ ﻭﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻭﻷﻫﺪﺍﻑ ﻏﻴﺮ ﻣُﺤﺪَّﺩﺓ . ﻭﻗﺪ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺃﻣﺮﺍﻥ ﻫﻤﺎ: ﺍﻻﺧﺘﻄﺎﻑ ﻭﺍﻻﺧﺘﻄﺎﺏ .
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺑﺎﻻﺧﺘﻄﺎﻑ: ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻧﻬﺐ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪ ﺃﻋﺮﺍﺿﻬﻢ، ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ.
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺑﺎﻻﺧﺘﻄﺎﺏ: ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻫﺪﺍﺭ ﺩﻣﺎﺀ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻹﺫﻥ ﺑﻘﺘﻠﻬﻢ ﻭﺍﻟﺘﺮﺻُّﺪ ﻟﻬﻢ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ . ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﻠﻐﺎﺓ ﺷﺮﻋﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺮﺭ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻮﻥ .
ﻭﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﺍﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺪﺍﻋﻰ ﺍﻷﻛﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﻌﺘﻬﺎ، ﻟﻴﺲ ﻣُﺤﺮَّﻣﺎ ﻟﺬﺍﺗﻪ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺒِﻴﺾ ﻭﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﻳﺘﺪﺍﻋﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ ،ﻣﻦ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﺓ ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺷﺘﻰ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻷﻣﻮﺭ ﻣﺘﻌﺪﻳﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺷﺮﻋﻲُّ ﻭﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺼﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻰ ﺑﻠﺪ ﻳُﺬُّﻝ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ .
ﻭﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪ ﻟﻢ ﻳُﺆﺫﻥ ﻟﻼﻧﺴﺎﻥ ﺑﺪﺧﻮﻟﻬﺎ ﺳﺒﺐ ﻹﺫﻻﻝ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺭﻛﻮﺏ ﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻠﺠﺴﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤُّﻠﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳُﺬﻝَّ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻗﺎﻟﻮﺍ : ﻭﻛﻴﻒ ﻳُﺬﻝُّ ﻧﻔﺴﻪ ؟ ﻗﺎﻝ : ﻳﻌﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﻟﻤﺎ ﻻ ﻳﻄﻴﻖ”.
ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﺑﺈﺳﻨﺎﺩ ﺻﺤﻴﺢ .ﻭﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﻉ :” ﻣﻦ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺬِّﻟﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻃﺎﺋﻌﺎً ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺮﻩ ، ﻓﻠﻴﺲ ﻣِﻨﺎ “. ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﻄﺒﺮﺍﻧﻲ ﺑﺎﺳﻨﺎﺩ ﺣﺴﻦ .
• ﻭﻫﺬﻩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻷﺣﻜﺎﻡ ﺣﺮﺍﻙ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ :
1- ﺍﻟﺴﻮﺩ ﺍﻷﺣﺒﺎﺵ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ . ﻓﻤﻨﻬﻢ ﺍﻟﻔُﺴَّﺎﻕ ﻭﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻮﻥ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ . ﺑﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻦ ﺷﺒﺢ ﺍﻟﻔﺎﻗﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻫﻢ ، ﺃﺟﺒﺮﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠُّﻞ ﻭﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮُّﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ .ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﺍﻋﺪﻟﻮﺍ ﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ” (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:8).
2- ﻫﺠﺮﺓ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﺣﺒﺎﺵ ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻻ ﻣُﺒﺮِّﺭ ﺷﺮﻋﻲ ﻟﻬﺎ ، ﻓﻘﺪ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﻟﻠﻀﻴﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺃﻭ ﻳﺘﺮﺩَّﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ،ﺃﻭ ﺗﺄﻛﻠﻬﻢ ﺍﻟﺴِّﺒﺎﻉ ، ﻭﻗﺪ ﻳﻬﻠﻜﻮﻥ ﺃﻭ ﻳﻌﺘﻘﻠﻮﻥ ﻭﻳﻀﻴﻊ ﺑﻬﻼﻛﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﺎﻟﻴﻬﻢ ﻭﺃﺳﺮﻫﻢ ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﻭَﻟَﺎ ﺗُﻠْﻘُﻮﺍ ﺑِﺄَﻳْﺪِﻳﻜُﻢْ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﺘَّﻬْﻠُﻜَﺔِ” (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ: 195) ﻭﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: “ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻘْﺘُﻠُﻮﺍ ﺃَﻧْﻔُﺴَﻜُﻢْ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻛَﺎﻥَ ﺑِﻜُﻢْ ﺭَﺣِﻴﻤًﺎ” (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ: 29) ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﺮﻡ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻼﺕ .
3- ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻗﺘﻞ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﺇﻻ ﺑﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ . ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺑﻘﻮﻟﻪ: “ﻭﺇﻥ ﻭﺟﺪﺗﻪ ﻏﺮﻳﻘﺎ ﻓﻼ ﺗﺄﻛﻠﻪ، ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺭﻱ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻗﺘﻠﻪ ﺃﻭ ﻛﻠﺒﻚ” ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺂﺩﻣﻲِّ ﻳﻬﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻻ ﻳُﻌﺮﻑ ﺣﺎﻟﻪ ﻭﻳُﻘﺘﻞ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀﺍً ؟! . ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻮﻥ: ﺍﻻﺳﺘﺼﺤﺎﺏ ﺣﺠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺩ ﻣﺎ ﻳُﻐﻴِّﺮﻩ .
4- ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣُﻮﺣِّﺪﻭﻥ ،ﻭﺟﻨﺎﻳﺘﻬﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺠﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺐ ﺍﻟﻬﺪﺭ .ﺑﻞ ﻟﻬﻢ ﺣﻘﻮﻕ ﻣﻀﻤﻮﻧﺔ ﺷﺮﻋﺎً، ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻧﺼﺎﺭﻯ .ﻭﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻬﻢ ﺃﻭ ﺍﻋﺎﺩﺗﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻫﻢ ﺍﺣﺴﺎﻧﺎً ﻭﺇﻏﺎﺛﺔ ﻟﻠﻤﻠﻬﻮﻑ
.
5- ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﺘﻞ ،ﺟﺎﺋﺰ ﺷﺮﻋﺎً ﺇﺫﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﺃﺫﻳﺘﻬﻢ ﻭﺑﺎﻥ ﺷﺮﻫﻢ ،ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺼﺎﺋﻞ .ﻭﺩﻓﻌﻪ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻳُﻮﺭِّﻁ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﻏﻨﻲُّ ﻋﻨﻪ.
. 6- ﺣﻤﻞ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺑﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ ،ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻭﺫﺭﻳﻌﺔ ﻟﻠﺘﻌﺼُّﺐ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻭﺧﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺼﻒ ﻭﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ، ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺑﻐﻴﺮ ﻣﻮﺟﺐ ﺷﺮﻋﻲ .
7- ﻳﺠﻮﺯ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻈَّﻔﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﺮﺍﻙ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ، ﺑﺸﺮﻁ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ . ﻓﺈﻥ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻈَّﻔﺮ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺃﺧﺬﻩ . ﻓﻤﻦ ﻇﻔﺮ ﺑﺤﻘِّﻪ ﻣﻊ ﺇﻧﺴﺎﻥ ، ﻓﻠﻪ ﺃﺧﺬﻩ ﺑﺪﻭﻥ ﺗﻌﺪِّﻱ ﺃﻭ ﺍﺣﺪﺍﺙ ﻓﺘﻨﺔ
.
8- ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺟﺎﺋﺰﺓ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣُﺤﺮَّﻡ . ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﺘﺄﻭَّﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: “ﻓﻤﻦ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺎﻋﺘﺪﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻴﻜﻢ” (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:19) ﻭﻗﻮﻟﻪ: “ﻭﺇﻥ ﻋﺎﻗﺒﺘﻢ ﻓﻌﺎﻗﺒﻮﺍ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻋُﻮﻗﺒﺘﻢ ﺑﻪ “ (ﺍﻟﻨﺤﻞ : 126) ﻭﻗﻮﻟﻪ: “ﻭﺟﺰﺍﺀُ ﺳﻴﺌﺔٍ ﺳﻴﺌﺔٌ ﻣﺜﻠﻬﺎ” (ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ : 40) . ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻭﻥ: ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻓﻴﻤﻦ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻈﻼﻣﺔ ﻻ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﻦ ﻇﺎﻟﻤﻪ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻨﻪ ﺇﻻ ﻣﺜﻞ ﻇﻼﻣﺘﻪ، ﻻ ﻳﺘﻌﺪَّﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
9- ﻣﻦ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺴُّﻮﺩ ﺍﻷﺣﺒﺎﺵ ﻓﻬﻮ ﻣُﺨﻴَّﺮ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺃُﻣﻮﺭ: ﺍﻷﻭﻝ: ﺃﻥ ﻳﻌﻔﻮ ﻭﻳﺼﻔﺢ، ﻟﻴﻨﺎﻝ ﺃﺟﺮ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﻭﻣﻌﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋﻮﻧﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﻭَﺍﻟْﻜَﺎﻇِﻤِﻴﻦَ ﺍﻟْﻐَﻴْﻆَ ﻭَﺍﻟْﻌَﺎﻓِﻴﻦَ ﻋَﻦِ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺍﻟﻠَّﻪُ ﻳُﺤِﺐُّ ﺍﻟْﻤُﺤْﺴِﻨِﻴﻦ” (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ : 133) .ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻹﻣﺴﺎﻙ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻭﺍﻟﺼﻔﺢ ، ﻟﻴﻠﻘﻰ ﺍﻟﻤﺬﻧﺐ ﺭﺑَّﻪ ﺑﻤﺎ ﺍﻗﺘﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻹﺛﻢ. ﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ: “ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪﻙ ﺃﻥ ﻳُﻌﺬِّﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺣﺪﺍً ﻷﺟﻠﻚ؟ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻔﻮﺗﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﺮ ﺍﻟﻌﻔﻮ، ﻟﻮ ﻋﻔﻮﺕ”. ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺑﺸﺮﻭﻃﻪ ، ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤُﻘﺪَّﺭﺓ ﺷﺮﻋﺎً، ﻭﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻭﺍﻟﺪِّﻳﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻮﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺁﺣﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻣﺠﻨﻴَّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ .
10- ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ . ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﺎﻣﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ(ﺕ: 101ﻫـ) ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﺃﻥ ﻣﺪﻳﻨﺘﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﺸﻌَّﺚ ﺳﻮﺭﻫﺎ ﻓﺄﺭﺳِﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﺎﻟًﺎ ﻧُﺮﻣِّﻤُﻬﺎ، ﻓﺮﺩَّ ﻋﻠﻴﻪ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: “ﺣَﺼِّﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪﻝ ﻭﻧﻖِّ ﻃﺮﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈُّﻠﻢ ، ﻓﺘﻠﻚ ﻣﺮﻣﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ” .
ﻭﻗﺪ ﺃﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺮﻭﻓﻴﺴﻮﺭ ﺍﻟﺒﻨﺠﻼﺩﻳﺸﻲ ﺍﻟﻔﺎﺋﺰ ﺑﺠﺎﺋﺰﺓ ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻠﺴﻼﻡ “ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﻧﺲ”ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ : ” ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻼﻡ ” ﻭﻗﻮﻟﻪ “ﻣﺎ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻤﺸﻴﻦ ﻣﻦ ﺇﺣﺒﺎﻁ ﻭﺣﻘﺪ ﻭﻏﻀﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺠﺘﻤﻊ “.
ﻭﻫﻮ ﻣﻔﻜﺮ ﺫﻛﻲ ﻟﻪ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻻﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﺽ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ، ﺑﺪﺃ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ . ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻻﻓﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻻﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺷﺒﺢ ﺍﻟﺠﻮﻉ ؟!
.ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﻴﺴﺮ ﺗﺤﺮﻳﺮﻩ ، ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ ﺗﺘﻢ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺎﺕ .
ﺃ/ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﻌﺠﺐ ﺍﻟﻌﺘﻴﺒﻲ
ﻋﻀﻮ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﺑﻘﻮﺍﺕ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ