مختارات من نصائح العلامة الشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 1346 هـ في كتابه “المدخل لمذهب الإمام أحمد” لمن يريد التفقه على مذهب من مذاهب الأئمة.
1- فن الحساب مما يلزم المتفقه أن يعلمه لأنه يدخل في كثير من أبواب الفقه فيحتاج إليه فيها وذلك كضبط المعاملات وحفظ الأموال في الشركة والمضاربة وقضاء الديون وقسمة التركات وغير ذلك.
وفن الحساب وهو: العلم بقواعد يعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة.
وما من عِلْم من العلوم إلا ويحتاج إليه فيقبح بالمتفقه أن يكون جاهلا به عاريا عنه وخصوصا في فنّ الفرائض فإنّ مداره على الحساب ولا يستغني عنه أبدا.
وقالت الحكماء: الأحسن الابتداء عند التعليم بفن الحساب لأنه معارف منضجة وبراهينه منتظمة فينشأ عنه في الغالب عقل يدل على الصواب.
ويقال: إن من أخذ نفسه بتعلم الحساب أول أمره يغلب عليه الصدق لما في الحساب من صحة المباني ومناقشة النفس فيصير له ذلك خلقا ويتعود الصدق ويلازمه مذهبا.
2- عليه أن يعلم من مفردات اللغة ما به يستعين على فهم الكتاب الذي يطالع فيه وإلى هذا وجه الفقهاء أنظار الطلبة
وألف المصباح المنير للغات الشرح الكبير على الوجيز للرافعي وألف المغرب للحنفية لهذه الغاية أيضا
ولمثلها ألف المطلع على أبواب المقنع الحنبلي والدر النقي لشرح ألفاظ الخرقي.
وألف الحجاوي كتابا في بيان غريب كتابه الإقناع
فينبغي للمتفقه أن لا يكون خلوا من معرفة اللغة فإن هذا يشينه ويعيبه.
3- أن يتعلم من فن التجويد ما يعرف منه مخارج الحروف وما لا بد للقارىء أن يعلمه فإن جهل مثل ذلك ربما أخل بصلاته وخصوصا فإن لهذا مدخلا في باب الإمامة.
ولقول الفقهاء يقدم الأقرأ فالأقرأ ومن لم يكن عارفا بفن التجويد كيف يميز بين القارىء والأقرأ؟
وكم رأينا من المتصدرين لإقراء الفقه وللإمامة ثم إنهم إذا قرأوا في الصلاة كانت قراءة الأعجمي أحسن حالا من قراءتهم
وربما لم يفرقوا بين السين وبين الثاء المثلثة الفوقية ويزيدون في الكلمات حروفا ليست منها وهم لا يشعرون ومثل هذا يعاب به العامي فضلا عن المتفقه.
والذين يقولون نقرأ الكتب للتبرك بمصنفيها وأكثر هؤلاء هم الذين يتصدرون لأقراء كتب المتصوفة فإنهم يصرحون بأن كتبهم لا يفهمها إلا أهلها وأنهم إنما يشغلون أوقاتهم بها تبركاً.
ولعمري لو تبرك هؤلاء بكتاب الله المنزل لكان خيرا لهم من ذلك الفضول وهؤلاء كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
4- ولا يتجاوز الشروح إلى حواشيها ولا يقرئها إياه إلا بعد اطلاعه على طرف من فن أصول الفقه.
5- أعلم أنه لا يمكن للطالب أن يصير متفقها ما لم تكن له دراية بالأصول ولو قرأ الفقه سنينا وأعواما ومن ادعى غير ذلك كان كلامه إما جهلا وإما مكابرة.
فإذا انتهى من هذه الكتب وشرحها شرح من يفهم العبارات ويدرك بعض الإشارات نقله الحنبلي إلى شرح المنتهى للشيخ منصور وروضة الناظر وجنة المناظر في الأصول والشافعي إلى التحفة في الفقه وشرح الإسنوي على منهاج البيضاوي في الأصول والمالكي إلى شرح “مختصر ابن الحاجب” الأصولي وشرح أقرب المسالك لمذهب مالك والحنفي إلى الهداية وشرح المنار في الأصول فإذا فرغ من هذه الكتب وشرحها بفهم وإتقان قرأ ما شاء وطالع ما أراد فلا حجر عليه بعد هذا.
6- الأَولى في تعليم المبتدىء أن يجنبه أستاذه عن إقرائه الكتب الشديدة الاختصار العسرة على الفهم كمختصر الأصول لابن الحاجب والكافية له في النحو.
لأن الاشتغال بمثل هذين الكتابين المختصرين إخلال بالتحصيل لما فيهما وفي أمثالهما من التخليط على المبتدىء بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها
لأن ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة فينقطع في فهمها حظ صالح عن الوقت كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته.
واعلم أنك إذا قابلت بين من قرأ الكافية وبين من قرأ ابن عقيل شرح ألفية ابن مالك وجدت الأول جامداً غير متسع الصدر في ذلك الفن ووجدت الثاني أغزر مادة منفسحاً له المجال.
وحاصل الأمر: أن الأستاذ ينبغي أن يكون حكيما يتصرف في طرق التعليم بحسب ما يراه موافقا لاستعداد المتعلم وإلا ضاع الوقت بقليل من الفائدة وربما لم توجد الفائدة أصلا.
وطرق التعليم أمر ذوقي وأمانة مودعة عند الأساتذة فمن أداها أثيب على أدائها ومن جحدها كان مطالبا بها.
وقد أودع ابن خلدون في مقدمة تاريخه نفائس من هذه المباحث كالمقدمات ومطالعتها تهدي النتيجة لصادق الهمة مطلق من قيد التقليد.
ولله در ابن عرفة المالكي حيث قال:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة وتقرير إيضاح لمشكل صورة
وعزو غريب النقل أو حل مقفل أو إشكال أبدته نتيجة فكرة
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد ولا تتركن فالترك أقبح خلة