مناهج دراسة كتب الحديث عند علماء الحرمين
رُوِّينا عن الشيخ الشاه ولي الله الدهلوي –رحمه الله- في كتابه “إتحاف النبيه فيما يحتاج إليه المحدث والفقيه” أن مناهج دراسة كتب الحديث عند علماء الحرمين على ثلاثة مناهج:
الأول: منهج السرد، وهو أن يقرأ الشيخ المسمع أو القارئ الكتاب بدون تعرض للمباحث اللغوية والفقهية وأسماء الرجال وغيرها.
الثاني: منهج البحث والتحليل، وهو أن يتوقف بعد قراءة حديث عند غريبه وتراكيبه العويصة، والاسم النادر من أسماء رجال إسناده، وما يرد عليه من السؤال الظاهر في لامسألة لامنصوص عليه، ويحل هذه الأمور بكلام متوسط، ثم ينتقل إلى الحديث التالي على هذ القياس.
الثالث:منهج الإمعان والتعمق، وهو أن يتكلم كثيرا على كل كلمة من الحديث بما لها وما عليها وما يتعلق بها، فمثلا في شرح الغريب ومشكل الإعراب يذكر الشواهد من الشعر، ويستطرد إلى بيان المادة اللغوية واشتقاقاتها وأماكن استعمالها، وفي أسماء الرجال يذكر تراجمهم وأحوالهم، ويخرج المسائل الفقهية على المسألة المنصوص عليها، ويحكي حكايات غريبة وقصصا عجيبة بأدنى مناسبة.
وقد رأيت علماء الحرمين الشريفين على هذه المناهج الثلاثة، فكان اختيار الشيخ حسن العجيمي وأحمد القطان والشيخ أبي طاهر وغيرهم، منهج السرد بالنسبة للخواص المتبحرين، ليقوموا بسماع الحديث وتصحيح منته وإسناده بسرعة، وكانوا يحيلون إلى شروح الكتب للمباحث الأخرى، لأن مدار ضبط الحيدث اليوم على تتبع هذه الشروح.
أما بالنسبة للمبتدئين والمتوسطين فكانوا يختارون لهم منهج البحث، لحيطوا بما يجب معرفته في علم الحديث ويستفيدوا منه، وكانوا في هذه الحالة يضعون أمامهم غالباَ شرحا من الشروح يراجعونه في أثناء البحث.
أما المنهج الثالث فهو منهج القصاص، وكان القصد منه إظهار العلم والفضل أو غيرهما، لا الرواية وتحصيل العلم، والله أعلم”.
ويضاف إلى ذلك ما في ” الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع”:
“وينبغي أن يتخير للقراءة أفصح الحاضرين لسانا، وأوضحهم بيانا، وأحسنهم عبارة، وأجودهم أداء”.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“الرواية لها مقصودان:
العلم والسلسلة
فأما العلم: فلا يحصل بالإجازة، وأما السلسلة فتحصل بها، كما أن الرجل إذا قرأ القرآن اليوم على شيخ فهو في العلم بمنزلة من قرأه من خمسمائة سنة، وأما في السلسلة فقراءته على المقرئ القريب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعلى في السلسلة، وكذلك الأحاديث التي قد تواترت عن مالك والثوري وابن علية كتواتر الموطأ عن مالك، وسنن أبي داود عنه، وصحيح البخاري عنه، لا فرق في العلم والمعرفة بين أن يكون بين البخاري وبين الإنسان واحد أو اثنان؛ لأن الكتاب متواتر عنه.
فأما السلسلة فالعلو أشرف من النزول، ففائدة الإجازة المطلقة من جنس فائدة الإسناد العالي بالنسبة إلى النازل، إذا لم يفد زيادة في العلم.
وهل هذا المقصود دين مستحب؟
هذا يتلقى من الأدلة الشرعية، وقد قال أحمد: طلب الإسناد العالي سنة عمن مضى كان أصحاب عبد الله يرحلون من الكوفة إلى المدينة ليشافهوا الصحابة، فنقول:
كلما قرب الإسناد كان أيسر مئونة وأقل كلفة وأسهل في الرواية وإذا كان فلانا رواه وأن ما يروى عنه لاتصال الرواية فالقرب فيها خير من البعد فهذا فائدة الإجازة.
ومناط الأمر أن يفرق بين الإسناد المفيد للصحة والرواية المحصلة للعلم وبين الإسناد المفيد للرواية والرواية المفيدة للإسناد. والله أعلم”.مجموع الفتاوى (18/ 36).
وفق الله الجميع للعمل بكتابه وسنة نبيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.