خطرات صايم لسماحة العلامة عبدالظاهر أبو السمح -رحمه الله-

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 2588
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

خطرات صايم لسماحة العلامة عبدالظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي -رحمه الله- (ت 1370هـ)

يظهر لي في كل عام بالتجربة من صيام شهر رمضان أن الصوم يرقق القلب، ويكسر حدة النفس الشهوية، ويجعلها إلى الخشوع أقرب، ويحد الإحساس الباطني، ويرقق الحجب الكثيفة التي تتراكم على عين البصيرة من إدمان الطعام والشراب؛ ويظهر لي أن الروح تخف أثقالها الجثمانية وأحمالها الحيوانية وتقوى وتصح في أيام الصيام، حتى أنها لتكون نافذة الإرادة في الأعمال الصالحة نفوذ السهم من الرمية.

ولا عجب أن نرى ذلك، فإنّ الطعام والشراب كثيرا ما كانا سبب التقاعد، وضعف الإرادة وطمس البصيرة، والأمراض الكثيرة الجثمانية والروحية، وثقل الحركة والسعي، فضلاً عن الجري  والسبق.

وأنه لا تكون النفوس كباراً إلا إذا تعبت في مرادها الأجسام أما من أعطى جسمه كل ما يشتهي من مأكل ومشرب وشهوة فهو إلى البهيمة أقرب، وقل هذا أن ياحق السبق، ألا ترى مروضي الخيل إذا أرادوا أن تحوز قصب السبق ضمروها ومنعوها كثيرا من العلف وربما قصروها على شرب اللبن الحليب؛ فإذا جاءت يوم الرهان كانت كالريح المرسلة، وقد قال الشاعر:

تركتُ فضولَ العيشِ حتى رددتُها

إلى دون ما يرضى به المتعفف

وأملت أن أجري سريعاً إلى العُلا

إذا شيء تموا أن تلحقوا فتخففوا

حقاً من أراد اللحاق بسرعة تخفف من الفضول.

ولذلك ترى الصوفية يوَصُّون مريديهم وتلاميذهم بالصيام، إذا لم يجدوا مثله في تأديب النفس وتربيتها وتنظيفها من أدران الشهوات ودسائس الشيطان.

وإنك لو قرأت سير السلف المتقدمين، من مشاهير العلماء الزاهدين، والحفاظ المحدثين، ووقفت على ماكان لهم من قوة إرادة وشجاعة وجرأة في مخاطبة الملوك؛ وصدعهم بالحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ وعمارة أوقاتهم بالعبادة الكثيرة، مع تأليف الكتب والرسائل وما بارك الله لهم فيه من الوقت، لعلمت أن سبب ذلك كله الصيام.

هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- على ماكانوا فيه من فقر مدقع: فتحوا الفتوح، ومصروا الأمصار؛ وأتوا بما لم يأت به أمم الحديد والنار والغازات السامة والخانقة في ربع قرن، لماذا؟ 

لأنهم كانوا كثيرون من الصيام أغلب الأيام، وكان جوعهم أكثر من شبعهم، وهؤلاء البدو لايزالون أزكى الناس، ولا سبب لذلك إلا الجوع، وخلو الجوف من الفضلات التي يعمي غازها ودخانها عين البصيرة.

ربما يقول قائل:

مالنا نشعر في الصوم بفتور، وركود ذهن؛ وميل إلى النوم، وحب الكسل، ولكن ذلك إنما يكون أول الأمر ثم يذهب، لاسيما إذا لم يظلم الصائم نفسه بملء معدته من المأكولات المختلفة عند الإفطار كأنه جاع ليشبع وفرغ معدته ليملأها فمثل هذا لابد أن يصاب بأمراض غليظة وأسقام كثيرة، وأشدها قسوة القلب وجمود العين.

وأنى لامرئ مملوء بطنه بالعذرة أن يستنير قلبه ويفهم عن الله ورسوله، اللهم عفواً وغفراً يا أرحم الراحمين.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق