بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات حول الهجوم على مقر مجلة “شارلي ابدو” الفرنسية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فلقد كنت نشرت قديما مقالا بعنوان:” الاستهزاء بالنبي محمدٍ ودينه من أعظم موارد الإرهاب”
http://www.sunnah.org.sa/ar/sunnah-sciences/variety-scientific-articles/101-2010-07-22-07-22-40/81-2010-07-25-21-57-24
وذلك عقب ما اقترفته الصحيفة الدنمركية “جيلاندز بوستن ” Jyllands-Posten “ بنشرها اثني عشر رسماً كاريكاتيرياً ساخراً في سبتمبر عام 2005 م تصوِّر فيه رسول الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم في أشكالٍ مختلفةٍ، وفي أحد الرسوم يظهر مرتدياً عمامة تشبه قنبلةً ملفوفةً حول رأسه!!.
ومما قلت فيه:
“إن موقف هاتين الجريدتين المخزي أكبر دعم للإرهاب الدولي المنظم الذي عقدت لمحاربته مؤتمراتٌ ولقاءاتٌ – مع الاختلاف في تحديد مفهومه – لأنَّ المسلم قد لا يستطيع ضبط نفسه مع هذا التحدي السافر للإسلام وأهله وعندئذٍ نتساءل:
أليس بالجدير بأن يدرج من يسلك هذا السبيل ويسخر بدين الإسلام ونبيه ويشجِّع على ذلك الإرهاب بأن تتخذ ضده القرارات الدولية لأنه مغذٍ للإرهاب؟
ثم ما دامت الشعارات الدولية تنادي بتجفيف موارد الإرهاب، أليس من مهامها تجفيف كلَّ موارده بأنواعها وأشكالها ؟
ولا شك ولا ريب أن هذا المورد من أشد موارده، وهو أخطر بكثير من الموارد المالية،لأنها من أعظم الدوافع له”.
وما حدث في يوم الأربعاء الماضي في فرنسا من هجوم على مقر مجلة شارلي إيبدو” الفرنسية بسبب سخريتها بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عام 2011م يؤكد ما كنا نخشاه ونتوقعه من أحداث متوقعة لا يتوقف ضررها على غير المسلمين فحسب بل يشمل المواطنين المسلمين من أهل تلك البلاد والمقيمين فيها، ولتداعيات الحدث ولما رأيته من تداعيات أعقبت الحَدَث، ولطلب بعض الإخوة في بلاد الغرب من الجالية الإسلامية هناك بيان الموقف الشرعي من ذلك أقول مستعينا بالله:
أولًا: إن جريمة سبِّ الأنبياء والسخرية بهم هي جريمة كبرى فوق جريمة القتل بغير حق، وفوق الاعتداء على النفس المعصومة، إذ هي كفرٌ بالله سبحانه، ولا سيما إذا كان الاستهزاء بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
ثانيًا: على كلِّ دولة أن تُلزِم إعلامها من صحف وتلفاز وغير ذلك بالكف عن النّيل والسخرية من الأنبياء والرسل -صلوات الله عليهم- بأي صورة كانت، كما أن الاستهزاء بالأنبياء جميعًا ليس من قبيل حرية الرأي المزعومة.
ثالثًا: إن من حقوق الإنسان أن لا يُنال من المقدسات لديه كلها، ومن باب أولى أن لا تُسبُّ ولا يستهزأ بها، ومن المقرر في دين الإسلام – مع أنه حق لا ريب به بل هو الدين الحق الذي ارتضاه الله كما قال سبحانه:{إن الدين عند الله الإسلام} – ومع ذلك فقد نهانا الله سبحانه عن سب الآلهة التي تُعبد من دون الله فقال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
رابعًا: إن على المسلمين جميعًا أفرادًا وحكومات ومؤسسات التصدي والرد على السخرية بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، ودحض ما يثيره الساخرون بشبهاتهم، واتخاذ الأساليب الكافية لردعهم، وبالاتصال مع الجهات المسؤولة بهذا الشأن، والبراءة إلى الله من هذا العمل، وإبراء الذمة بالقيام بكل ما يمكن من ردِّ ما يُساء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لمنع ذلك من صحف رسمية مرخصة وغيرها مستقبلًا.
خامسًا: إن من المقرر أن العقوبة لمن يستحقها ليست من خصائص الأفراد ولا الأحزاب والجماعات، وإنما هي مناطة بالدولة المسلمة والحاكم المسلم، ولو أن كل مسلم انتقم لأمر ولو كان عظيمًا لحصلت مفاسد عظيمة وفتن كبيرة لا تنتهي في بلاد المسلمين وغيرها، ومما يزيد في الخلل بالأمن بالبلاد.
سادسًا: على ضوء واقعنا وحالنا المعاصر الواجب اتخاذه بخصوص الاستهزاء بالأنبياء عمومًا وبنبي الرحمة خصوصًا -صلوات الله عليهم جميعًا – هو القيام الاستقامة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبنشر تعاليم الإسلام السمحة، وبيان أنه رحمة للعالمين، كما شهد بذلك عدد كبير من المنصفين من غير المسلمين كما في كتاب “الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب ” وغيره.
سابعًا: إن ما يجري من سفك لدماء المسلمين وتشريد في عدد من الدول على مرأى عالمي مما نبرأ إلى الله منه، وننكره أشد الإنكار، والواجب على الحكومات كلها السعي بوقف الظلم عنهم بكل السبل لتحقيق العيش بأمان للجميع، وفي كل الدول، حتى لا يُفتح مجال لأحد بالثأر والانتقام من أي فرد من أفرادها ولو كان بريئًا.
ثامنًا: إن ما جرى في فرنسا من هجوم وقتل على مقر مجلة “شارلي ابدو” الفرنسية – وإن فعلوا جريمة كبرى بالسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن حذّرت من هذا الأمر المتوقع من بعض المسلمين في مقالي لي السابق، ولكن مع هذا إن القتل الذي حصل – مما لا يجوز فعله شرعًا لما سبق بيانه.
تاسعا: إن عواقب هذا العمل لا تعود على المسلمين ولا على غيرهم بالنفع والمصالح البتة، لكنها تفتح بابا بل أبوابا لا تكاد تغلق، كما أن عواقب ذلك على الجميع في فرنسا وغيرها من الدول ليس بالمحمود، وما جرى في اليوم الثاني عقب الهجوم على مقر الصحيفة من تعرض مساجد لهجمات لهو دليل على ذلك.
كما أن الهجوم على مقر الصحيفة يُعطي صورة غير محمودة عن دين الإسلام، على غير حقيقته، وهذا الذي يريده الأعداء.
عاشرا: وإني بهذه المناسبة أقدر ما صرح به الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بأن منفذي عمليتي احتجاز الرهائن في باريس “متعصبون لا علاقة لهم بالدين الاسلامي”.
وإني آمل أن تكون كلمته هذه سدا أمام أي اعتداء على المسلمين، أو مساجدهم ومراكزهم، وأن يوقِف بحزم كل ما فيه استهزاء بالأنبياء صلوات الله عليه وسلم مستقبلا.
ختامًا: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل خير وصلاح، وأن يَمُنَّ علينا بالفقه والفهم الصحيح للدين، وأن يُصلح حالنا، وأن يرفع الظلم عن إخواننا في كل مكان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.